السبت 20 أبريل 2024 08:24 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الإعلامية إلهام العزب تكتب : عمر الشريف..اسطورة الفن والحب والحياة

الإعلامية إلهام العزب
الإعلامية إلهام العزب

قبل ايام قليلة وبالتحديد يوم 10 إبريل مرت الذكرى الـ 89 لميلاد الفنان المصري العالمى الراحل، عمر الشريف، الذي تألق في السينما المصرية والعالمية بنفس القدر، على مدار نصف قرن من الزمان.
وإلى جانب جواز سفره المصري، احتفظ النجم الراحل، ميشيل دميتري شلهوب، الشهير بعمر الشريف، بنجومية من نوع خاص. فقد حفر ذكراه في مخيلة الملايين حول العالم، ليس بمؤهلاته الجسدية، ووسامته الشرقية، ووجهه السينمائي المميز فحسب، وإنما وفي المقام الأول بعمق شخصيته، وإنسانيته الرفيعة، وموهبته الطاغية الهادئة في آن واحد.
وكأنما كان الشريف يعرف خبايا الكاميرا، ويتفاعل مع "مجهول" داخل العدسة، ليطبع بإيماءاته وحركاته ونبرات صوته ولكنته المعروفة في "دكتور زيفاجو" أو "لورانس العرب" أو "السيد إبراهيم وأزهار القرآن"، صورة لا تنطفئ، وشخصية لا يمكن نسيانها، لا على مستوى تاريخ السينما العالمية، وإنما على مستوى الإرث الإنساني.
حينما اتخذ ميشيل دميتري شلهوب قرارا بالتخلي عن ديانته من أجل الحب، كانت تلك أولى علامات (الكوكبية) وعدم ارتباطه الشديد بالجذور مقابل بحثه عن قيم أعمق ودائرة أوسع من التجارب الإنسانية، كان ذلك أيضاً ما فعله في انفصاله عن عائلته حينما أصبح الخروج من مصر صعبا في الستينيات، حسم عمر الشريف الخيار بين البقاء في مصر والرحيل إلى المجهول بالانحياز إليه، وكيفما يبدو هذا القرار مصيريا صعبا، إلا أن تقاطع الهم العام مع مصير الفنان الذي يتمتع بذاتية ضرورية ونرجسية فطرية هما مقومات عمله، حسمه عمر الشريف لصالح الفنان.
تحدث عمر الشريف اللغات الفرنسية واليونانية والإيطالية والإسبانية إلى جانب العربية، وكان لاعباً محترفاً للبريدج ليصبح في وقت من الأوقات أحد أهم خمسين لاعبا في هذا المضمار، ويكتب مقالا دوريا في "تشيكاغو تريبيون" لعدد من السنوات، كانت تلك حركته الأفقية التي تركت جذورها وراءها في زمن بعيد هناك في القاهرة.
كانت النداهة المصيرية في حياة عمر الشريف هي البريدج، غريزة المقامرة، ذلك الشيطان الممتع المرعب في آن واحد، تلك الرغبة "شبه الجنسية"التي تسيطر على الإنسان فتشلّ عقله، ذلك الأمل المتحرك دائماً نحو الفرصة الضخمة البديعة الهائلة التي سوف تأتي في الثانية القادمة..في الدقيقة القادمة.. غداً أو بعد غد.. من منّا لا يقامر؟

إنه صراع الزمن، صراع المجهول، صراع الفضول أمام ورقة اللعب القادمة، ربما صراع الطاقة والتأثير على المستقبل، أو الإيمان الشديد بالحظ الذي سوف يأتي حتما، عالم مدهش من المشاعر استقطب عمر الشريف فجعل العالم يبدو بالنسبة له موازيا، بل إن سحر الجنس والنساء أصبح ذا قيمة متواضعة أمام ذلك الوحش البديع، وأصبحت الحياة مرتبطة بطاولات القمار، وتوارى لمعان الخمر أمام أضواء القاعة التي ينتشي المقامر بمجرد أن يشتم رائحتها..بل أصبحت الحياة برمتها مقامرة، وأصبح القمار حياة.. لكن فلنفكر قليلاً! ..أليست تلك هي الحياة، وهذه هي حقيقة الوجود بأكمله؟
قامر عمر الشريف بحياته كاملة، انتزع جذوره ليتحرك أفقيا، وتحرك في دائرة قطرها العالم بأكمله، ونطاقها الثقافة الإنسانية العامة وحينما عاد للبحث عن تلك الجذور فاجأته الحقيقة القاسية لا يمكنك زرع الجذور سوى مرة واحدة فقط. لكن يظل ما رآه عمر الشريف في حياته، ودفع عمره بأكمله بما لا يقدر بثمن.. لقد نال عمر الشريف كل الفضائل: الشهرة والمجد والمال والتقدير الفني الرصين.. نال الفن بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفقد مقابله الحياة بمعناها التقليدي، أحرق كافة سفنه من أجل سبر أغوار المجهول، فأصبحت تجربته الغنية تجربة إنسانية واسعة شاملة عامة ملكا لكل البشر في كل الأماكن، ولم يعد من المهم أن نسأل: من عمر الشريف؟ أين جذوره؟.. فعمر الشريف إنسان .. إنسان وكفى.