الجمعة 19 أبريل 2024 08:59 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول ...( يؤتِى الحكمة .. من يشاء ..! )

خالد درة
خالد درة

ذات يوم خرج الحجاج إبن يوسف للصيّد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن عمره نحو عشر سنوات وله أغنام ..
فقال له الحجاج : ماذا تفعل هنا أيها الغلام؟!..
فرفع الصبي طرفه إليه وقال له :
يا حامل الأخبار لقد نَظرت إلىّ بعين الإحتقار وكلمتني بالإفتخار وكلامك كلام جبّار وعقلك عقل بِغال !!!.
فقال الحجاج له : أما عرفتني؟!..
فقال الغلام : عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام .
فقال الحجاج : ويحك يا غلام .. أنا الحجاج إبن يوسف .
فقال الغلام : لا قرّب الله دارك ولا مزارك ، فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
فما أتم كلامه إلّا والجيوش حَلّقت عليه من كل جانب فأمرهم الحجاج أن يحملوه إلى قصره ، وهناك جلس في مجلسه والناس حوله جالسون ومن هيبته متخوفون ، وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلام ..
فلما مَثَل الغلام بين يديه رفع رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياً ، ومزيناً بالنقوش والفسيفساء ، وهو في غاية الإبداع والإتقان .
فقال الغلام : أتبنون بكل ريع آية ، و تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ، وإذا بطشتم بطشتم جبارين .
فأستوى الحجاج جالساً وكان متكئاً وقال :
هل حفظت القرآن؟!.. فقال الغلام : و هل القرآن هارباً مني حتى أحفظه .
فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن؟!..
فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه؟!..
فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه .
فقال الحجاج : أخبرني عمّن خُلِقَ من الهواء؟!..
ومن حُفِظَ بالهواء؟!.. ومن هَلِكَ بالهواء؟!..
فقال الغلام : الذي خُلِقَ من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام ، والذي حُفِظ َبالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ، وأمّا الذي هَلَكَ بالهواء فهم قوم هود .
فقال الحجاج : أخبرني عَمّن خُلِقَ من الخشب؟!.. والذي حُفظ بالخشب؟!.. والذي هَلك بالخشب؟!..
فقال الغلام : الذي خُلِقَ من الخشب هي الحيّة فقد خُلِقت من عصا موسى ، والذي حُفظ بالخشب سيدنا نوح عليه السلام ، والذي هَلك بالخشب زكريا عليه السلام .
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الماء؟!..
ومن نجا من الماء؟!.. ومن هَلك بالماء؟!..
فقال الغلام : الذي خُلق من الماء فهو أبونا آدم عليه السلام ، والذي نجا من الماء سيدنا موسى عليه السلام ، والذي هَلك بالماء هو فرعون .
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من النار؟!.. ومن حُفظ من النار؟!..
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس ، والذي نجا من النار سيدنا إبراهيم عليه السلام .
فقال الحجاج : أخبرني عن العقل؟!.. والإيمان؟!.. والحياء؟!.. والسخاء؟!.. والشجاعة؟!.. والكرم؟!.. والشهوة؟!..
فقال الغلام : إن الله قَسّم العقل عشرة أقسام فجعل تسعة منها في الرجال ، وواحداً فقط في النساء ...
وقسّم الإيمان عشرة أقسام وزّع تسعة منها في اليمن ، وواحداً في بقية الدنيا ... وقسّم الحياء عشرة أقسام ، تسعة أقسام منها في النساء ، وواحداً فقط في الرجال ...
وقسّم السخاء عشرة أقسام ، تسعة أقسام منها في الرجال ، وواحداً فقط في النساء ...
وقسّم الشجاعة والكرم عشرة أقسام ، تسعة أقسام منها في العرب وواحداً فقط في بقية العالم ...
وقسّم الشهوة عشرة أقسام ، تسعة أقسام منها في النساء ، وواحداً فقط في الرجال ...
فقال الحجاج : أخبرني عن أقرب شيء إليك؟!..
فقال الغلام : الآخرة .
ثم قال الحجاج : سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده .. ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام ...
ثم قال الحجاج : أخبرني عن النساء؟!..
فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بَعد على أحوالهن ورغائبهن ومعاشرتهن ، ولكني سأذكر لك المشهور من أمورهن ...
فبنت العشر سنين من الحور العين ، وبنت العشرين نُزهة للناظرين ، وبنت الثلاثين جنة نعيم ، وبنت الأربعين شحم ولين ، وبنت الخمسين بنات وبنين ، وبنت الستين ما بها فائدة للسائلين .
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك ، فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار ، وكسوة حسنة ، وجارية ، وسيف وفرس ...
وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا ، وإن أخذ غيرها قتلته فلّما قدمها له
قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام
فقال الغلام : إن كنت تخيّرني فإنني أختار الفرس ، أمّا إن كنت إبن حلال فتعطيني الجميع .
فقال الحجاج : خذهم لابارك الله لك فيهم .
فقال الغلام : قَبِلتهم منك ، فلا أخلف الله عليك غيرهم ولاجمعني بك مرة أخرى .
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه.