الدكتور حمدى الجابرى يكتب : الإعلام النوايا و ( عك وربك يفك )
الجارديان المصريةكان من الغريب والمثير للدهشة هذا الأسبوع مع إعلان الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عن تغيير قياداتها توقيع مذكرة تفاهم بين السيد تركى الشيخ .. سبب الغرابة والدهشة ليس إحتفاظ رئيس مجلس إدارتها السابق تامر مرسى بعضوية المجلس ولكن لسرعة موافقة الإدارة الجديدة على مذكرة التفاهم التى تقتضى بنودها الهامة والنتائج المترتبة عليها إتاحة الوقت للمجلس الجديد للدراسة والبحث والفحص فى ضوء المعلومات والبيانات والإحتمالات قبل الموافقة والإعلان ..
و .. هذه السرعة فى إتخاذ القرار والتوقيع عليه ولو فى صيغة (مذكرة تفاهم) ربما يفسرها البعض بأنه قد سبق لتامر مرسى ومجلسه القيام بكل ذلك وما الإعلان إلا إستكمال لكل الخطوات والإجراءات والدراسات والفحوصات الضرورية اللازمة فى مثل هذا الأمر الهام الذى يترتب عليه حقوق وواجبات مالية والتزامات قانونية وغيرها يتحملها كل من الجانبين الموقعين على (مذكرة التفاهم) التى لابد أن يتبعها التوقيع على (اتفاقية) تنص بنودها على كل هذه التفاصيل ..
وبالطبع كل ذلك ليس من المتصور غيابه عن كل من الإدارتين القديمة (مرسى) والجديدة (عبد الله) ، وإذا كان بالفعل قد قامت به الإدارة القديمة فإنه من العدل أن تتاح نفس الفرصة للجديدة للقيام بدورها ، على الأقل حتى ينسب النجاح أو الفشل لا قدر الله الى صاحبه ليذكر له الناس الفضل أو الخذلان أو حتى منحه ميدالية الإنجاز أو محاسبته على الأخطاء لا قدر الله .. ولايمكن الإستهانة بذلك بأى حال من الأحوال إذا ما تعلق الأمر بتراث مصر ومنتجها الإعلامى الأهم والأقدم والأكبر من (تامر مرسى وعبد الله) وحتى من الشركة المتحدة نفسها وبالذات بعد أن أصبح تحت يدها رصيد إنتاج التليفزيون المصرى ومكتبته منذ أن بشرتنا الصحف فى مايو 2019 بخبر تزينه صورة حسين زين وتامر مرسى يؤكد التوقيع على (إتفاقية حفظ التراث) بين المتحدة للخدمات الإعلامية والتليفزيون وذلك (في إطار الحفاظ على المحتوى المصري سواء ما تم إنتاجه سابقا أو حاليا من التليفزيون المصري ويمتلك حقوقه الرقمية) ونصا عن طريق (إتاحة ذلك المحتوى على المنصة الرقمية الجديدة Watch) هذا المحتوى الذى يتم الحصول عليه من مكتبة التليفزيون المصرى ومعه (الحصول على حقوق محتوى مميز يتمثل في مكتبة التليفزيون المصري فى مختلف المجالات ويلائم مختلف الفئات ولا سيما أن التليفزيون المصري يمتلك الكثير من المحتوي المميز والذي كان قد تم استباحته في الماضي على العديد من المواقع على شبكة الإنترنت.) ، وبالطبع حفل المنشور بكل وسائل التجميل والتزيين لهذه الإتفاقية سواء من تامر مرسى أو رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين الذى أكد أن (البروتوكول هو جزء من مسؤوليتنا نحو حماية حقوق المحتوى الإعلامي المصري كما أننا نقدم المحتوى باستخدام تقنيات حديثة تناسب تغير طرق تلقي المحتوى عالميا وتعظم عوائده. )
كل هذا مهم للغاية ويستحق الإحترام والتأييد فى حدود ماجاء به .. وكما هو واضح .. الإتفاق والموافقة تحدد إتاحة المادة على Watch it وحدها .. أما ماتحقق من ذلك بالفعل خلال الفترة منذ توقيع الاتفاقية عام 2019 وحتى اليوم أو مالم يتحقق فإنه وإن كان يحسب لتامر مرسى ومجلسه أو عليه لايمكن أن يكون منفذا لإسناد أمره الى طرف آخر .. قريب أو غريب .. فهو فى أحسن الأحوال ليس أكثر من تفويض للعرض فقط على Watch it.. والمفوض لا يفوض ..
إذا أدركنا كل ذلك لابد أن نتوقف عند أحد أهم بنود (مذكرة التفاهم ) التى وقعتها الشركة مع السيد تركى الشيخ والذى نص على :
(شراء) مجموعة MBC جزءًا من إنتاجات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية و(توزيعها خارج مصر) و(عرضها على منصاتها) .
وهو بند واضح لا يحتمل اللبس والتفسير .. فهو (شراء) قطعى .. لجزء وليس كل .. من (إنتاجات) الشركة .. و .. (توزيعها) .. و .. عرضها على منصاتها .. يعنى كل حقوق التوزيع والعرض خارج مصر أما داخلها فمن حقها فقط.. على منصاتها.. فهل من حق الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (بيع) مالا تملك من (إنتاجات) التليفزيون السابقة حتى على وجود الشركة نفسها ؟
ثم إذا كانت الشركة حديثة العهد بالإعلام والإنتاج التليفزيونى لا تعرف الكثير عن تاريخ وخبايا ومنزلقات سابقة بسبب البيع الحصرى والتوزيع الحصرى والعرض الحصرى وهو ما يمكن إستنتاجه من هذا البند الواضح والذى يحمل بعض التفريط الفادح فى المنتج التليفزيونى ، ألم يعلم أحد فى الشركة أو خارجها عن النتائج السلبية السابقة الناتجة عن مثل هذا التصرف (غير الإستثمارى) فى السينما والموسيقى والغناء ؟
سنفترض جدلا أنها تعلم وستضع فى الإتفاقية الحقيقية وليس (مذكرة التفاهم)ما يحميها وإنتاجاتها وحقوقها المستقبلية فيه ، مع ذلك هل فكرت الشركة وقياداتها القديمة والجديدة فى إحتمال تقاعس (المشترى) عن أداء واجبه فى التوزيع لما قام (بشرائه) وكذلك فى إحتمال (تعمده) عدم عرض المنتج المصرى لأى سبب من الأسباب .. قد يكون منها خلافا سياسيا ينشأ فجأة لا قدر الله ، أو إتاحة الفرصة لأطراف أجنبية وفنانيها ومبدعيها وأفكارها للإنتشار على حساب المبدع والفن المصرى ، أو تحجيم إنتشار الفن المصرى ونجومه من الكتاب والممثلين والمخرجين ومهندسى الديكور والفنيين وإدارة التخطيط والإنتاج واللهجة أو الأفكار أو السلوكيات أو .. الإعلام والثقافة .. المصرية !
أظن أن المسألة برمتها فى حاجة الى كثير من الدراسة قبل إتخاذ مثل هذه القرارات حتى ولو كانت فى صورة (مذكرة تفاهم) قد ينتج عنها مالا يحمد عقباه .. وأظن أيضا أن أصحاب القرارات الكبرى فى الشأن الإعلامى فى مصر إستقرت قناعتهم على وجود مايستدعى التغيير فى الشركة المتحدة الذى أتمنى أن يمتد ليشمل كافة أفرعها وروافدها لأن ثقافة مصر وإعلامها لا يمكن أن تعيش طويلا بدون تخطيط على الإستقواء والأهواء أو الآمال والأمنيات والثقة وأهلها وخبراتهم المحدودة التى تعتمد غالبا على كل ماسبق وفق منطق غياب الحساب الخطة وسيادة شعار (سيبك أنت .. عك وربك يفك)