الكاتب الكبير سعدنى السلامونى يكتب : ماما تحية


فى نهاية السبعينات أعلن المخرج المصرى العالمي يوسف شاهين الإضراب عن الطعام.
حينها كنت قادماً من قريتي جنين شعرى حاملا عدة قصائد من الديوان الأول(رغاوى الآلم)
وأشق طريقي الى الاعلام. ورزقني الله بنجم النجوم صديق عمرى الخلوق الفنان والمذيع أحمد مختار
مذيع القناه الأولى
وتوجهنا معا إلى يوسف شاهين لنتضامن معه فى الإضراب وكان هناك عشرات من النجوم المصرية والعربية يؤيدون قرار يوسف شاهين
وأنا كنت متضامناً معه تماماً حتى وصلنا الى مكان الإضراب
ورأيت أقدام الفنانة يسرا وأقدام الفنانة ليلى علوى وفى الحقيقة هى ليست أقدام بل قطع بيضاء من كبد السحاب يكسوها إحمرار الشمس
نسيت النضال والتضامن والسياسة والدنيا وما عليها.
وفى خبث الأنسة لمحت يسرا عيونى التى تلتهم أقدامها دون رحمة. فراحت ترد على عيونى ببياض أقدامها
مع إرسال بسمة خفيفة.قادره على إذهاب العقل الذكوري وإزهاق الروح
تاهت الدنيا تحت أقدامي وتهت فيها. وفجأة فجأة ظهر جمال نوراني رباني يطل من وجه العظيمة تحية كاريويكا
وهى تنادي ليوسف شاهين وتقول
واد ياجو واد يا جو أنا جعانه فى الليلة المبهببة بتعتكم دى!!؟؟
اقتربت منها وانا اتسائل بداخلى من أين يأتى كل هذا النور الربانى الذى يكسو وجهها
برغم أن الراقصات فى مجتمعنا الريفى يحملون سمعات غاية فى القسوة والظلم
وكل النجوم ينادونها بماما تحية. وهذا الاسم أحب الأسماء إليها لأنها لم تنجب وحلم عمرها أن يكون لها طفل
وبعدها أصدرت الديوان الأول والتقيت بالأديب العالمى نجيب محفوظ الذى قدمنى للعالمية
ثم جاء الديوان الثانى و الثالث والرابع حتى الديوان السابع. ثم مات سندي نجيب محفوظ ليتم حصاري مصرياً وعربياً وعالميىاً
وفجأة هاتفني صديقي الخلوق عبد القادر همام رئيس اكاديمية السادات وكنا نجلس يومياً فى مقهى الحرية الثقافى
توجهت لهم وهناك فى الجلسة مع العمداء ورؤساء الجامعات انتفضوا جميعاً لحضوري من كثرة ما حكاه عنى وعن تاريخي الدكتور عبد القادر همام رحمة الله عليه
الكل انتفض لقدومي
إلا رجل يشبه البشوات ويبدو على وجهه البشوية ومن النظرة الأولى تكتشف أنه باشا ابن باشا ابن باشا
مددت له يدى بالسلام ولم يسلم وكأني هواء أمام عينيه
قررت أن أردها له فى رحيلى. وكان الحوار حول فيلم شباب إمراة للعظيمة تحية كاريوكا وراح المتحدث يتحدث عن جمالها الخارق
فجأة انفجر الباشا بالصراخ وراح ينهنه كالأطفال وهو يترك الجلسة ويصر على الرحيل.ولم يستجيب لرجاء عبد القادر بالجلوس
عاد عبد القادر همام ليعاتب على من تحدث عن تحية كاريويكا لأنه يعرف مدى عشق الباشا ابن الباشا لها وانه أنفق عليها كل ما يملك من عزب وأفدنه
وكان يسافر وراءها كل دول العالم وفى كل دولة يعرض عليها الزواج ولم يكن وحده بل هناك طابور من أبناء البشوات العاشقين لها
حتى بعد موتها فرضوا الزواج
هنا قررت أن أهرب من هذا الوسط الثقافى القاتل لأن له تاريخ كبير فى تصفية كبار المبدعين تصفية جسدية كما يصفون إبداعاتهم
هربت الى الوسط الصوفي ولم ترتح روحى إلا لساحة مولانا عبد الرؤوف النادى وأبنائه ليس لأنه كبير عائلة النادى وعم زوجتي
بل لأنه كوكب من النور الربانى وساحتهم عمرهاأكثر من ثمانى مائة عام. وكانت المفاجأة أن ماما تحية حديث كل الساحات الصوفية
وكانت تقيم ساحة فى حضرة ام العواجز وعلى بابها وهى التى تصر ان تطعم المساكين بيدها وكل المساكين ينادونها بماما تحية
ولم تترك مولداً حتى تنصب الصوان وتطعم المساكين بيدها
وتغضب أشد الغضب لو لقبها أحدا بالفنانة
من هنا وبعد نهاية عمرى اكتشف من اين كان يأتى النور الكونى الذى كان يطل من وجه ماما تحية