السبت 20 أبريل 2024 08:50 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل اقول …( الحياة التى لا تعرفها …! )

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

خد بالك … أخطر شيء يا صاحبي هو تبسيط المسائل و تلخيص الحياة في نقطة و السعادة في مطلب ..
بمعنى أن يقول الواحد منا لنفسه ..
لو أني كسبت هذه الورقة اليانصيب لانتهت جميع المشاكل ..
لو أني تزوجت هذه المرأة لأصبحت أسعد إنسان ..
لو أني هاجرت إلى أمريكا أو إلى فرنسا لحققت كل أحلامي ..
لو أني تخلصت من هذا المرض المزمن الذي ينغص حياتي لصنعت من نفسي رجلاً عظيماً ..
لو .. لو .. لو ..

و دائماً تتبسط المسألة في نقطة واحدة و قديماً تصور فرويد تبسيطاً شديداً للنفس الإنسانية فقام بتفسير حوافزها و عقدها و انحرافاتها بالحافز الجنسي ..
و قد أخطأ فرويد ..
و كان سبب الخطأ أن الحياة لا تقبل التبسيط و أنها نسيج معقد متداخل من عدة عوامل ..
و إذا حاولت أن تبسطها فإنك تمزقها في نفس الوقت ..
و لا شك أن كل الكائنات الحية هي في النهاية و بتبسيط شديد " ماء و تراب " و كلنا كذلك ..
و لكن هل هي هكذا ؟؟ .. أبداً ..

إن التبسيط قتْل للحقيقة .. و هذا ما يقع فيه كل إنسان منا حينما يتصور أن كل حياته تبدأ و تنتهي عند الحصول على هذه المرأة .. فإذا فقدها ضاعت حياته و إذا فاز بها فاز بنعيم الدنيا و الآخرة ..

و نتيجة هذه الرؤية التوحيدية المركزة تتوتر أعصابه فلا يعرف طعماً لأكل أو نوم أو راحة و يسقط عليلاً مثل مجنون ليلى .. و قد يبتلع علبة أسبرين ليتخلص من عذابه ..

و لو أن مجنون ليلى حصل على محبوبته ليلى و تزوجها و تحقق له ما كان يحلم به لأفاق من جنونه تماماً و لعاد له عقله من أول لكمة في الفراش من ليلاه العزيزة و هي تقول له .. ابنك عنده اسهال .. و بنتك تقيء طول الليل .. و أنا طهقت .. روح شوف أمك تشيل عني العلل دي .. أنا قرفت منك و من ولادك ..

قطعاً كانت جميع الرؤى الشعرية و الأطياف الملائكية و القصائد الغزلية ستتبخر من دماغه و يلعن اليوم الذي نظم فيه قصيدة أو كتب موالاً لها .. و لربما قام و هو يبرطم و يسب و جلس على باب الخيمة و أنشد قصيدة يلعن فيها القمر و الشجر و حياة مثل حياة البقر ..

و لكن الله لم يبلغه مراده لأنه أراد أن يكون للوهم ملوك يفتنون الناس كما أراد أن يكون للحقيقة ملوك يوقظون الناس .. ليجري امتحان النفوس في عدالة بين شد و جذب الفريقين ..
و لتستمر الحياة بين البشر كما أرادها الله لهم لا كما يتمنون و ليقضوا بما أمر الله به ، و ليرضوا بما قسمه الله لهم .