السبت 27 يوليو 2024 05:01 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عادل القليعي يكتب. تزييف الوعي...وفقدان الهوية. 1-2

د .عادل القليعي
د .عادل القليعي


لماذا هذا المقال الآن ، وما الذي يقصده كاتبه.؟!
الإجابة بمنتهى البساطة والوضوح دونما غموض لأننا أصبحنا الآن في زمن غريب ، زمن الرويبضة -إلا ما رحم ربي- بمعنى سفهاء القوم يتكلمون في أمور القوم بغير علم ولا وعي.
يسكتون دهرا وينطقون جهلا.
هيا بنا أعزكم الله تعالى ، نحلل المصطلحات الآتية ، تزييف ، مزيف بضم الميم وكسر الزاي ومزيف بضم الميم وفتح الزاي ، والوعي ، وكذلك الهوية بضم الهاء وكسر الواو.
فمن هو المزيف هو المضلل الذي يضلل الناس قالبا الحق باطلا والباطل حقا فهو مخداع يخدع الناس ويبيع لهم الوهم ، ويصور الواقع المرير وردي وجميل كمن يغترف بيده شربة ماء مالح ويضعها في فمه ويظهرون أمام الجميع ويقولون ما أعذب هذا الماء وما أجمله ، أو كمن يصور للناس بكاميرته المناطق الجميلة ويعمم الحكم على كل المناطق ويطلق الأحكام على عواهنها ، ولا يظهر إلا جزء من الواقع ، كما يحدث عندما يزور مسؤول ما إحدي المؤسسات الحكومية ، يستقبل بالورود والزينات ولا يظهرون له إلا الشكل فقط والمضمون أجوف.
قس على ذلك في العملية التعليمية مثلا عندما يعمل مدرس الفصل بزيارة قادمة إليه من موجه يقوم بوضع الطلاب المتفوقون في مقدمة الصفوف حتى توجه لهم الأسئلة ، المهم (أضحك عشان الصورة تطلع حلوة)، وما خلف الصورة من حزن وكآبة ورقص على قوت البسطاء وضحك على الذقون ، هذا لا يهم ، المهم صورة المسؤول الأدني تطلع حلوة أمام المسؤول الأعلي فالأعلى وهكذا دواليك.
وهذا ليس بجديد فإذا ما استقرأنا تاريخ الفكر الفلسفي ، ولا سيما فكر السوفسطائية دعاة التنوير ، الذين استخفوا قومهم واضلوا عقول البسطاء الذين لا يجيدون فن الحوار ، وحاولوا إقناعهم بنسبية الحقائق ، وأنه لا يمكن قيام معارف لاعتمادها على الحواس ، وأنه لا يوجد شيئ على الإطلاق ، راجعوا مقولة جورجياس في كتابه اللاوجود ، أنه لا يوجد شيئ على الإطلاق وحتى إن وجد لا نعلمه وإذا علمناه لا تستطيع إيصاله للآخرين.
ونسي هذا المسفسط أن الكتاب موجود فكيف يكون الشيئ موجود وغير موجود في آن واحد ، قس على ذلك كيف نصور للناس أنه ليس ثمة غلاء للاسعار والناس ترى ذلك بأم عينها في الأسواق.
نعم ناقشهم سقراط ودحض فرياتهم وناقش أرسطو فحلا من فحولهم وهو اقراطليوس ودخل معه في حوار ، وكلاهما يريد أن يقنع الآخر ، اقراطليوس يريد أن يثبت عدم وجود شيئ فامتنع عن الكلام وارسطو يستفزه بأسئلته ، حتى جعله يحرك إصبعه ، فقال له أرسطو ،تحريكك لاصبعك دليل انطولوجي ، دليل وجودي على أنك موجود ، فما الداعي للانكار.
ونسي هؤلاء المسفسطون - ولكل عصر مزيفوه ومسفسطوه- أو تناسى أو زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا ، نسي هؤلاء أن السائل والمسؤول والناظر والمنظور جميعهم سيقفون أمام المسؤول الأعظم الذي أمرنا أن نؤدي الامانات إلي أهلها ،(إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، والأمانة الرعية والمستأمن الرعاة ، فالكل سيقف (وقفهم إنهم مسؤولون)، فالجميع سيقف أمام المسؤول الأعظم الله سبحانه وتعالى.
وسيسأل المزيف لماذا فعلت ذلك لماذا كنت مسفسط مموه مخداع ، من الذي أمرك بهذا وما الذي دفعك إلى هذا ، لماذا دهستهم أحلام البسطاء ووعدتموهم وفاخلفتموهم، لماذا طالبتموهم بالتقشف وأنتم تسكنون القصور ، حقا صدق فيكم قوله تعالى (إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار).
نعم المزيف منافق مداهن ، من أجل الحفاظ على كرسيه أو سلطته أو لتحقيق مكاسب مادية، يبيع عقله وعلمه وقلمه من أجل الدرهم والدينار والدولار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار- يفعل ما يطلب منه وهو يعلم تمام العلم أن ما يفعله وما يقوله مناف للواقع.
وهم كثر للأسف الآن ، حملات شرسة تشن على أئمتنا من بعض الأبواق العفنة التي تنعق نعقا بما لا تعلم ، تطاول على الأئمة الأربعة ، ومن قبلهم النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده صحابته ، ثم أبواق العصر وآلاتهم الإعلامية التي تتطاول على أهل القرآن والفقه الذين ملأوا الدنيا علما وفقها ويتهمونهم بالتمثيل وأنهم لا يفقهون شيئا ، سبحان الله ، (والله من وراءهم محيط)، نعم محيط وخبير بكل ما تفعلونه ، أليس هذا تزييف وزيف للتاريخ وتزوير له ، ما شأنكم أنتم ومجدد العصر فضيلة الشيخ شيخ المجددين الشعراوي رحمه الله تعالى ، أم هي ملهاة لإلهاء الناس وتزييف وعيهم وصرفهم عما يشغلهم وصرفهم عما يحدث فى الأسواق من غلاء معيشي ، أم هي أجندات خارجية تنفذونها لتشكيك الناس في معتقدهم وفي ائمتهم (قل موتوا بغيظكم)، (ولا يفلح الساحر حيث أتى).
هذا بالنسبة للمزيف بضم الميم.
أما المزيف ، بضم الميم وفتح الزاي.
فهذا ما سنتعرف عليه في الجزء الثاني من المقال.
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.