السبت 27 يوليو 2024 07:39 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور علاء الحمزاوى يكتب : قراءة تفسيرية لسورة العلق ”6”

الدكتور علاء الحمزاوى
الدكتور علاء الحمزاوى

ــ جاءت السورة توثيقا لطغيان أبي جهل وظلمه وتمرده على الحق، لكن صيغت آياتها بأسلوب عالٍ متفرد يستوعب نماذج أبي جهل على المستوى الفردي والمجتمعي إلى يوم القيامة، قال ربنا فيه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ}؛ ليؤكد أن البشر جميعا راجعون إليه مؤمنهم وكافرهم، وفي ذلك طمأنة وتثبيت لقلب النبي وقلوب المؤمنين وتهديد مباشر للطغاة الظَّلَمَة الكافرين، فكأن الله يقول للنبي: اطمئن أيها الرسول الكريم ولا تحزن مما يفعله ذلك الطاغية وأمثاله، فأين يذهب أولئك الذين طغوا واستعلوا واستغنوا بأموالهم وقوتهم؟ إن مرجعهم إلينا فنحاسبهم على ما ارتكبوه من جرائم، وسيرون ما أعددناه لهم من عذاب مهين، وسيعلمون أن ما يتمردون به على الحق من مال وجاه وسلطان لن يغنى عنهم من عذاب الله شيئا، وكفى ردعا لهم أن {جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِّلطَّاغِينَ مَآبًا}، لكن يبقى أن المظلوم ملهوف يحتاج إلى نُصرة وإغاثة، وذلك حـق على المؤمنين؛ لأنه من الخير الذي أمرنا الله به في قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فلن تفلح أمة لا تنصر المظلوم وتغيث الملهوف.
ــ {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ عَبْدًا إِذَا صَلَّى}، الخطاب للنبي، والرؤية بمعنى العلم، و{الذي ينهى} هو أبوجهل، والعبد هو النبي، وجاء الفعل {ينهى} مضارعا لاستحضار الحدث في كل زمان؛ لذا لم يقل: (ينهاك) إنما قال: {ينهى عبدا}، وجاءت كلمة {عبدا} نكرة للعموم والشمول واحتمالية تكرار الحدث في أي زمان، ومن دلالات كلمة {عبدا} أنها تشريف للنبي من ربه، وهو تشريف أكده القرآن في مواضع كثيرة، ومن مظاهر التشريف للنبي أن الله خلَّقه بأعظم الأخلاق وأدَّبه بأحسن الآداب، فجاء في الحديث "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، ومع ضعف الحديث فإن معناه صحيح؛ إذ كان خلقه القرآن، ولذلك يروى أن يهوديا قال لعمر بن الخطاب: صـف لي أخلاق رسولكم، فقال عمر: اطلبه من بلال فهو أعلم به مني، فأحاله بلال إلى فاطمة ثم أحالته فاطمة إلى عليٍّ، فلما سأل اليهودي عليًّا عن أخلاق النبي قال عليٌّ له: صف أنت لي متاع الدنيا، فقال اليهودي: هذا لا يتيسر لي، فقال علي: عجزتَ عن وصف متاع الدنيا وقد شهد الله بقلِّته، فقال تعالى: {قل متاع الدنيا قليل}، فكيف أصف أخلاق النبي وقد شهد الله بعظمتها، فقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
ــ وجاء الخطاب استفهاما للتعجب من جهالة هذا الطاغية وانطماس بصيرته؛ لأنه نهى عن الخير وأمر بالشر، فكأن الله يقول للنبي: لا أعجبَ ولا أسوأَ حالا من هذا الطاغية الأحمق الذي ينهاك عن إقامة العبادة لربك، مع أنك كنت تأمل أن يعز الله به الإسلام، فقلت: اللهم أعـز الإسلام بأحد العمرين! ومن دواعي التعجب أن ذلك الطاغية يلقَّب بأبي الحكم، فهل يُقبَل أن يوصف إنسان بالحكمة ورجاحة العقل وهو يسجد للأوثان ويمنع عبادة الرحمن؟!
ــ {أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ}، الاستفهام لتأكيد التعجب، والمتحدَّث عنه يصلح أن يكون أباجهل على افتراض إيمانه، فالله يقول للنبي: هل علمت أيها الرسول إن صار ذلك الطاغية على الهدى واتبع الحق ودعا إلى البر والتقوى أليس ذلك خيرا له من إصراره على الكفر ونَهْيه إياك عن الصلاة؟ ويمكن أن يكون حدث التفات بلاغي في الخطاب فيكون المخاطَب أباجهل والمتحدَّث عنه رسول الله، أي أرأيت أيها الطاغية إن كان النبي على استقامة وسَدَاد في صلاته لربه أليس ذلك هو الحق والخير له في الدنيا والآخرة؟! وتعبير {على الهدى} يفيد غاية الهداية؛ لأن {على} حرف للاستعلاء المجازي، فكأن ذلك العبد فوق الهدى، والجمع بين صفتي الهدى والتقوى يفيد أن النبي مهتدٍ تقي في نفسه وهــادٍ آمـر غيره بالهداية والتقوى؛ لأن الله وصف المتقين بأنهم مهتدون فقال: {أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، للحديث بقية.