الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : ربح البيع أبي الدحدوح ، لصبرك الجميل ، علي مصابك الأليم !!


إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع ونحن نرى إخواننا يُقتلون بغير وجه حق في غزة، تحت سمع العالم وبصره، مع صمت مريب من جل الدول العربية والإسلامية، التي تخلت عنهم وخذلتهم ، وما هذا الصمت منهم والخذلان إلا تحالف مع الصهاينة أو خوف منهم وممن ورائهم، ، مما شجعهم علي أن يبلغوا في جريمتهم إلى أقصى مدى، عسى أن يتحقق حلمهم في القضاء على المقاومة ، ولكن هيهات هيهات، خاب المسعى وشاهت الوجوه
إنه ما من إنسان بقيت فيه ذرة من إنسانية إلا وهو يتألم لما يعانيه أهل غزة الصامدون، وتتقطع نياط قلبه حزنا على شهدائهم الأبرياء الأبرار، فهول الإبادة تجاوز كل الحدود، وسكوت وسكون غالبية الدول العربية والإسلامية يزيد الحزن حزنا والهم غما. والمصيبة أضحت مفزعة: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}.
إن المؤمن الصادق يؤمن إيمانا جازما لا يخالطه ريب ولا يمازجه شك أن الشهداء أحياء، قال تعالي : {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}، ومن الهام جدا أن يقرأ المسلم هذه الآية منتبها لسابتقها: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ، ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}، إن من الواضح أن الآية جاءت في سياق كلام الله تعالى على الابتلاء، واللافت أن الآية السابقة لها خُتمت بـ: {إن الله مع الصابرين}، والآية بعدها ختمت بــ: {وبشر الصابرين}، وكأن القرآن العظيم يقول لنا: إن من يبتليهم الله تعالى ويتخذ منهم شهداء بين معية الله تعالى وتبشيره، وكفى بهذا منزلة!، وكفى بهذا كرامة!.
إن الشهادة اصطفاء من الله تعالى، فلا حزن على شهدائنا في غزة، بل غيرهم أحق بأن يُحزن عليه .
فهنيئا لكم أيها الشهداء العظام ، لقد نلتم شرفًا لا يناله كل الناس، ونلتم بنبلكم أسمى الدرجات وأعلاها مرتبة، وستجلس سيرتكم العطرة في مكانكم الخالي بيننا، لتتحدث بلسانكم ، ولتسمع الدنيا من خلفكم ، بشهامتكم ورجولتكم ، رحمكم الله رحمة واسعة .
وهل هناك أطهر وأعظم من تقديم الرّوح في سبيل الله تعالى، ليس هناك يا أبطال أي قيمة تعادل قيمة الشهادة في سبيل الله تعالى.
هنيئا لكم يامن اصطفَاكم اللّهُ بالرجولة لتكونوا أهلاً للبطولة،
هنيئا لك الزميل وائل الدحدوح ذلكم الرجل الراسخ في الصبر والفؤاد مجروح، لفقدك فلذاتك، محمود الدحدوح الذي كان يحلم بأن يصبح صحفيا، مثلك، راح محمود الملقب بـ"وائل الصغير" يسجل هو وشقيقته خلود فيديوهات ليطلعا من خلالها العالم على المعاناة التي يعيشها وطنهما الصغير. وليبينوا للعالم بأنه لا مكان آمن في غزة علي الإطلاق ، وليثبتوا بما لا يدع مجالا للشك بأنها أشرس حرب تشهدها غزة على الإطلاق، كانوا ينادون علي المجتمع الدولي والعربي : انجدونا انقذونا كي نبقى على قيد الحياة ، فلا أحد سمعهم ، ولا أحد رحمهم استشهد محمود ووالدته وشقيقته شام ذات السبعة أعوام، إلى جانب آدم ابن شقيقته الذي لم يكمل عامه الأول و ٢١ شخصاً آخر بأيدي شراذم الخلق ، الذين قتلوا الأنبياء من قبل، وقتلوا الأولياء من قبل، وسحروا رسول الإسلام من قبل، وسمموا طعام الرسول من قبل، وتجرءوا على الله من قبل، وجعلوا الكتاب محرفاً ليشتروا به ثمناً قليلاً، ويقتلوا الأبرياء قتلاً غليلاً.
وليسمح لي صديقي الكاتب العظيم احمد العش أن اقتبس من كلماته النفيسة ما أهنأ به الزميل وائل الدحدوح علي صبره الجميل في مصابه الأليم .
ربح البيع أبي الدحدوح ، ربح البيع أبنائه وزوجته وحفيده ، ربح البيع شهداء فلسطين إن موعدكم الشفاعة يوم الساعة، وموردكم الحوض ومأواكم الجنة.
ربح البيع شهداء فلسطين الحبيبة ، فسوف تنالكم شفاعة أكثر الأنبياء يوم الدين.. سيشفع لكم كل نبي طاله الأذى واللغو والغُلو والقتل من معشر يهود، سيشفع لكم الخليل أبو الأنبياء وبنيه والأسباط حيث فلسطين موضع قبورهم ولسان حالهم ومقالهم يوم التناد، وسيشفع لكم موسى مستبرءاً من غلو اليهود فيه، وسيشفع لكم عيسى متشفياً من لغو اليهود في عرضه وعرض أمه، وسيشفع لكم زكريا ويحيى مقتصان من اليهود الذين قتلوهما في الدنيا بغير حق، أما الشَفَاعةُ البَاهرةُ الجَامعة فهي شفَاعة سيد الخلق بلسان الصدق .
إن شهداء المقاومة الأبطال وإن رحلوا بأجسادهم، فإنهم مخلدون في ذاكرة الأمة ، وفي قلوب الشرفاء ، بما قدموه من تضحيات عظيمة، ستظل مصدر للفخر والعزة مهما كانت الخسائر فادحة !!
فليس هناك أسمى ولا أطهر ولا أنبل من أن يقدم المرء حياته دفاعاً عن وطنه، وليس هناك ما هو أعظم من أن يجود الإنسان بنفسه من أجل تحقيق حلم وطنه في الاستقلال ، ولتبقي مقدساته شامخة بشموخ تاريخها التليد .
، فالشهادة قيمة عظيمة تحض عليها الأديان المختلفة ، وفي مقدمتها الدين الإسلامي الحنيف، الذي وضع الشهداء في مصاف النبيين والصديقين، ووعدهم رب العزة سبحانة وتعالى بجنات الخلد، كما قضى لهم سبحانة وتعالى بالحياة بعد الشهادة والخلود، فقال عز وجل: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، فاي قيمة أعظم مكانة وسموا من قيمة الشهادة، وأي تقدير وتكريم أسمى من ذلك ، فالشهداء يدركون أنهم سينالون إحدى الحسنيين، إما رؤية النصر المؤزر على الأعداء، وإما الاستشهاد والفوز بالجنة، ولكنهم في الواقع يكافئون بالاثنتين معاً، فهم يسهمون في صناعة النصر، ويكللون بالشهادة.
ألا كيف يحزن مؤمن صادق على الشهيد وهو يعلم مكانته وكرامته على الله تعالى؟، ومن جهل ذلك فلا بأس أن نذكّره بشيء من ذلك: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يموت له عند الله خير، يسره أن يرجع إلى الدنيا، وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى» رواه البخاري.
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات؛ لما يرى من الكرامة» رواه البخاري ومسلم.
فيا قادة إسرائيل ليتكم تعلمون أن شهداء غزة يتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا؛ ليقتلوا عشر مرات رغم بشاعة طريقة قتلكم لهم ، لينالوا الكرامة التي وجدوها عند الله تعالى. والله لإنها أعظم أمنية لهم ولكل شهيد !! ، كيف لا وهي أمنية
نبوية فأنعم بها وأكرم .
وفي نفس السياق روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " والَّذي نفسي بيدِه لولا أنْ أشُقَّ على المسلِمين ما قعَدْتُ خَلفَ سَريَّةٍ تغزو في سبيلِ اللهِ أبدًا ولكنْ لا أجِدُ سَعةً فأحمِلُهم ولا يجِدون سَعةً فيخرُجون ويشُقُّ عليهم أنْ يتخلَّفوا بعدي ، والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه لَودِدْتُ أنِّي أغزو في سبيلِ اللهِ فأُقتَلُ ثمَّ أحيا فأُقتَلُ ) قال ذلك ثلاثًا"
والَّذي نَفسِي بيدِهِ ، لولا أنَّ رِجالًا مِن المؤمنينَ لا تَطيبُ أنفسُهُم أن يتخلَّفُوا عنِّي ، ولا أجِدُ ما أحملُهُم عليهِ ، ما تخلَّفتُ عَن سرِيَّةٍ تغزُو في سَبيلِ اللهِ والَّذي نَفسِي بيدِهِ ، لولا أنَّ رِجالًا مِن المؤمنينَ لا تَطيبُ أنفسُهُم أن يتخلَّفُوا عنِّي ، ولا أجِدُ ما أحملُهُم عليهِ ، ما تخلَّفتُ عَن سرِيَّةٍ تغزُو في سَبيلِ اللهِ ، والَّذي نَفسِي بيدِه ، لوَدِدتُ أنِّي أُقتَلُ في سبيلِ اللهِ ثمَّ أُحيَا ، ثمَّ أُقتَلُ ثمَّ أُحيَا ، ثمَّ أُقتَلُ ثمَّ أُحيَا ، ثمَّ أُقتَلُ
في هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "والَّذي نَفْسي بِيَدِه"، أي: يَحْلِفُ النبيُّ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلِك لأنَّ اللهَ هو الذي يَمْلِكُ الأنْفُسَ، وكثيرًا ما كان يُقْسِمُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا القَسَمِ، "لولا أنَّ رِجالًا من المُؤمِنينَ لا تَطيبُ أنفُسُهم"، أي: يُسيئُهُم، ويُحزِنُهم، "أنْ يَتَخَلَّفوا عني"، أي: بسَبَبِ عَدَمِ خُروجِهِم معي، وقُعودِهِم في المدينَةِ؛ لعَدَمِ توفُّرِ النَّفَقةِ لديهم أو السِّلاحِ أو العَتادِ، "ولا أَجِدُ"، أي: لا أَملِكُ "ما أَحْمِلُهُم عليه" يعني: ما يَرْكَبونَه من دَوابَّ؛ لِيُجاهِدوا في سَبيلِ اللهِ، "ما تَخَلَّفْتُ عن سَرِيَّةٍ تَغْزو في سَبيلِ اللهِ" والمقصودُ: ما تَرَكتُ فُرصةً في سَرِيَّةٍ للغَزوِ إلَّا وخَرَجْتُ معها للجِهادِ، ولكنِّي أتْرُكُها رِفْقًا ومُواساةً لمن لا يَسْتطيعونَ الجِهادَ لأَيِّ سَبَبٍ، والسَّرِيَّةُ: هي طائِفَةٌ من الجَيشِ يبْلُغُ أقْصاها أربعَ مِئَةِ فَردٍ، "والَّذي نَفْسي بِيَدِه، لَوَدِدْتُ"، أي: تَمَنَّيْتُ، "أَنِّي أُقتَلُ في سَبيلِ الله ثم أُحْيا، ثم أُقتَلُ ثم أُحْيا، ثم أُقتَلُ ثم أُحْيا، ثم أُقتَلُ" لِمَا في الشَّهادَةِ من الكَرامَةِ للشُّهداءِ، وهذا تَسْليةٌ وتَحْفيزٌ للخارِجينَ في الجِهادِ عن مُرافَقتِهِ لهم، وكأنَّه قال: الوجهُ الذي يَسيرونُ لهم فيه من الفَضلِ ما أتمنَّى لأجْلِه أنِّي أُقتَلُ مَراتٍ، فمهما فاتَكم من مُرافَقتي، والقُعودِ معي مِنَ الفَضلِ يَحْصُلُ لكم مِثلُه أو فوقَه من فَضْلِ الجِهادِ،
[ فراعَى بذلك خَواطِرَ الجَميعِ.
وتأسيسا علي ما تقدم ، يتبين لنا أن للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ مَنْزلةٌ عالِيةٌ؛ لِمَا فيه مِن الفَضلِ والأجرِ الذي يَفضُلُ به على كَثيرٍ من العِباداتِ، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُواسي الضُّعفاءَ، ومَنْ لا يَجِدون سَبيلًا للجِهادِ حتى لا يَشْعُروا بالعَجْزِ، ولا أنَّهم مُقصِّرونَ في الواجِباتِ
طوبى لأهل غزة جهادهم وصبرهم ، وليعلموا : أن كُل شِدةِِ عليهم من العدو الغاشم وراءها شَدةُُ إلى الله ، وطوبي لشهداءهم حفاوة الشفاعة يوم الدين ، والورود على الحوض مع خاتم النبيين ، والظفر بمقام فردوسي في أعلى عليين