الومضه الثامنه.الجزء الثاني.
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : رائحه الجلود.


لاحول ولاقوه الا بخالق الحول والقوه..
أتكون ياصبحي في سبيل البحث عن تدبير الاموال اللازمه لتوفيرثمن فاتوره الانترنت والهواتف المحموله والماء والكهرباء والنت الارضي ، قد انقطعت عن نت السماء ونسيت ربك و زوجتك واولادك الصغار في خضم ذالك كله!!
والحكايه ان صبحي اغفل تربيه ابناؤه حين انخرط في العمل ليل نهار وترك الاولاد لدلال الام التي التصق بيدها الهاتف المحمول في الحل والترحال ، ومادام ربه البيت تضرب بالدف فشيمه اولادها الرقص ، هي تنشغل عنهم بمحمولها ، وهم يغيبون عن الدنيا بحمل هواتفهم باهظه الثمن .
صبحي كان يعتقد سكوت اولاده وصمتهم تربيه ، ويشيد بزوجته في جميع المحافل الاسريه ، ولكن ظهرت له النيران فجأه بعد انفجار طبقه الرماد الرقيقه الني كانت تغطي النار الخامده حين انفجر فيه ولده:
-انت سبب كل المشاكل اللي احنا فيها ؟
مشاكل ايه يابني لاسمح الله ، تحمل هاتفا قيمته عشرون الف جنيه ، ولديك سياره تذهب بها الي الكليه الخاصه التي ارهقتني مصاريفها والتي اجبرتني امك علي تقليد باقي الناس في الابتعاد عن الجامعات الحكوميه ، مشاكل ايه اللي انت فيها انت وامك واخوتك؟
-اتذكر ياابي اخر مره اخذتني فيهافي حضنك وعانقتني؟
-اظن انها يوم نجحت في الابتدائيه.
-اتذكر ياابي كم مره قَبلْتني منذ غادرت طفولتي واحسستني بالامان وان اميز رائحه الاب التي غابت عني الان فجحد قلبي .
-نعم قبلتك واهديتك موبيل يوم نجاحك في الاعداديه ،
-كانت قبله صفراء غابت فيها عن انفي راحئه الابوه والتي كنت اميزها من الف رائحه اخري ولم اشعر ساعتها بأنها تخرج من فمك بل كانت في الحقيقه تخرج من جيب سروالك،
-في الحقيقه ياعمر يابني ، انا كنت ناوي علي ان يكون بيتنا منذ نوعومه اظفاركم واحه من الحب والحنان ، ولكني صدمتني كلمه امك في بدايه الطريق وهي تزعق في وتردف في عدم رضا:
والاولاد بقه سوف تطعمهم من الحب والحنان؟
فاستبدلتهم بالمال ، وهذه هي النتيجه، تقف امامي الان شاهرا سيف القسوه والانكار في وجهي، والسبب في ذالك اشياء كثيره وكذالك امك التي كانت من المفترض ان تطعمك في غيابي الحناني ، حنان الام وحنان الاب المغادر بيته صباح ومساء، وان تذكر فضائل الاب لكم ليل نهار ، ولكن الامهات الان يتصارعن مع الرجال علي الفضل والزعامه فماذا تنتظر وماذا انا انتظر وماذا اسرتنا وباقي الاسر ينتظرون ؟
كان قديما ياعمرو يابني الام تحتضن وتعانق الاب في الحل والترحال ، فيعانق الاب اسرته ويحتضنهم بمناسبه وغير مناسبه، اما الان فالبيوت اصبحت كالصحاري جرداء من الحب والحنان ،ومنزرعه شاشات عرض وكهارب وموبيلات، حتي تكهرب الجو في شتي البيوت ، وصار النزال اليومي شريعه للام مع ابنائها واحيانا مع ابوهم ، تبا للحياه الحديثه ، انني امقتها ولا احس انني احيا بل احس انني ترس في اله يزمجر كلما قل دخله من اوراق البنكنوت!
عارف ياعمر يابني اني لا اشعر بانني انسان الا مره في مطلع كل شهر عربي !.
-ابتسم الابن بعد طول تجهم ومسائله لاباه ثم اردف :
يوم واحد في الشهر، كيف .
-في اول كل شهر عربي اذهب الي المقابر حيث وسد ابي وامي ، اقف امام قبر امي الحانيه فتتسرب اليً من جماد احجار القبر رائحه جلد امي وهي تحتضني في سالف الايام ، فأقبل يدي وكأنها يدها فتسري رائحتها في يدي طوال وقوفي امام قبرها وفمي يلثم يدي وكأنها يدها وكذالك الفعل افعله امام قبر ابي ، ولكن في حال ابي اشمر يدي قليلا فأري شعر ساعدي فأقبله لانه يشبه شعر ساعد ابي، واظن ان امي وابي، وانا افعل ذالك ان حالهم مثل حالي تتسرب اليهم رائحتي وعواطفي ومشاعري وحناني ، ويسعدون بها ولكنهم لاينطقون بعدما اخذ الموت منهم ميثاقا غليظا بالا ينطقون ، ولكنهم بالتأكيد تتسرب اليهم رائحه جلود ابنائهم لا سياراتهم الفارهه او حياه البزغ والترف والنار السموم، وصيتي لك يابني ان تحتضن وتعانق اولادك وتقبلهم بمناسبه وغير مناسبه حتي يتعرفون جيدا في الدنيا عن رائحه جلدك فلا تغادر انوفهم الي يوم الدين ، اجهش عمرو بالبكاء واثرت فيه ايما تأثير قصه المقابر فأمطر اباه بالقبلات في وجهه ويديه وساعديه وهكذا فعل الاب بغير صلف اوتكبر حتي ارتوي الاثنان من رائحه الجلود ، فهذه الرائحه هي التي تدوم يوم يوسد صبحي في قبره ويزوره ابنه عمر ، ويفعل عمر ماكان يفعله الاب لابويه، ويفوز بوصل الدنيا بالاخره ، هذا الوصل والاتصال عجزت عن فعله اموال قارون ولكن اوفي به حضن وعناق وكثير من القبلات.