الأحد 6 يوليو 2025 03:05 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور عادل القليعى يكتب : جدلية العلاقة بين خلق السموات والأرض وخلق الإنسان. تصورات ورؤي.

دكتور عادل القليعى
دكتور عادل القليعى

بداية نطرح هذا السؤال الفلسفي ، لماذا خلق الله تعالى السمواات والأرض ، ولماذا خلق الإنسان ، وخلق كل المخلوقات ، سواء المخلوقات الأرضية ، عالم ما تحت فلك القمر ، والمخلوقات العلوية عالم ما فوق فلك القمر ، العالم الميتافيزيقي.؟!
حتى نجيب على هذه الأسئلة التي من الممكن أن يجيب عليها علماء الدين مستخدمين منهجا تسليميا ، ويسلموا تسليما ، وهذه الإجابة قد تشفي صدور إنسان مسلم ، أسلم وجهه وقلبه وروحه للإله ، لكن نحن نريد إجابات شافية للعقول يقبلها العقل ، إلا إنني سأوجه بسؤال أخطر ، ألا وهو ليس كل ما نسلم به تسليماً تقبله العقول ، فالعقول قاصرة عن إدراك كنه الحقيقة كاملة ، لكن الفلسفة والمتفلسفة لا يقبول هذا الطرح ، وإنما يريدون إجابة يقبلها العقل ، فليس كل الناس مسلمون مؤمنون ، فهناك الملحد ، وهناك الذي يعتنق أفكار بعيدة عن روح الدين ، وهناك المجادلة الذين لا هم لهم إلا الجدال المرذول الذي يقود إلى التيه والضلال ، وهناك المتصوفة الذين عندما تتوقف عقولهم عن الإدراك يتجهون ناحية قلوبهم لعلهم يجدون ضآلتهم المنشودة إدراك كنه الحقيقة فينسجون لأنفسهم عالم يعج بضروب من الخيالات التي لا يقبلها العقل فيفسروا المسألة تفسيرا مختلفا عن طريق ما أطلقوا عليها الفيوضات والنفحات الربانية ، وإذا سلمنا بذلك فهل الجميع يصلون إلى هذه المراحل ، مراحل الوجد والإلهام.
المسألة جد معقدة ، ولا أكون مبالغا إذا قلت شديدة التعقيد ، تحتاج إلى رؤية عقلية مستنيرة بعيدا عن عالم الميثولوجيا وعالم الخيالات ، رؤية عقلية تنظيرية لا كما قال هنري برجسون بالرؤية التي تقوم على ضرب من الإدراك المباشر ، ولا كما ذهب ديكارت في قوله بالرؤية العقلية التي تأتينا عن طريق الحدوسات العقلية ، ولا كما ذهب الإمام الغزالي في قوله بالحدس القلبي ، ولا بلغة الفلاسفة الصعبة ونصوصهم المعقدة عصية الفهم على الجمهور .
وإنما نريد خطابا عقلانيا يخاطب الإنسان البسيط ، أليس من حق كل إنسان منحه الإله عقلا ، أليس من حقه أن يتسأل ويجد جوابا مريحاً يطمئن معه عقله ويقنع بأنه ذا قيمة.
فهيا نحلل تلك الإشكالية العويصة تحليلا عقليا
نبدأ بطرح سؤال على العقل هل السموات والأرض مخلوقتان أم قديمتان ، مخلوقتان بكل مكوناتهما ، أم قديمتان منذ الأزل.؟!
إذا سلمنا بقدميتهما فهذا يقودان إلى القول هل قدميتهما بالذات أم بالزمان ، لو قلنا قدميتهما بذاتيهما فهل ثم موجود أوجد نفسه بنفسه ، بالحتمية المنطقة وما يقبله العقل ستكون الإجابة لا ، إذن هما مخلوقتان.
وإذا توصلنا إلى هذه النتيجة ، فهل خلقا نفسيهما بنفسيها بكل مكوناتهما ، ستكون الإجابة لا يمكن ذلك ، فالتراتب العلي السببي يجيب أنه ليس هناك موجود بدون سبب تسبب في وجوده ولا يمكن أن يحدثا خبط عشواء أو اتفاق أو مصادفة.
إذن توصلنا بعقلنا البسيط إلى وجود سبب وراء كل هذه الترسيمة الكونية العلوية والسفلية.
هذا السبب أخذ مسميات عدة عبر تاريخ الفكر الفلسفي ، فإذا ما بدأنا بحضارات الشرق القديم سنجد تعددية السبب وربط ما يحدث فى الكون بالالهة ، فهذا إله الحب ، وهذا إله العدالة وهذا إله الخير وذاك إله الشر.
ثم الحضارة اليونانية قبل الميلاد عند الطبيعيين الأوائل نجدهم تحدثوا عن فكرة العناصر الأربعة وفكرة الخلاء والحركة والذرات
ثم فكرة مثال المثل والمحرك الأول ، ثم إذا ما انتقلنا إلى العصور الوسطى الإسلامية والمسيحية واليهودية نجد الفكرة قد اختزلت تارة فى العقل الديني التسليمي والعقل الفلسفي وبدأ الصراع على أشده بين العقل التسليمي والعقل المتفلسف، الإيمان والتعقل.
حتى إذا ما وصلنا إلى عصر النهضة والثورة الفكرية على العقل التسليمي والاتجاه إلى العقل الفلسفي ، يظهر فلاسفة العصر الحديث باتجاهاتهم المختلفة ورؤاهم المتعددة فى نظرتهم الجدلية.
فنجد القضية تزداد تعقيدا بين الماديين والمثاليين والتجريبيين والحدسيين ، كل يريد أن ينتصر لعقله الذي آمن به أيما إيمان.
حتى إذا ما وصلنا إلى واقعنا المعاصر ، عصر الانفتاح والانفلات الفكري ، عصر المتناقضات ، عصر الثورة المعلوماتية التي استغلت أسوأ استغلال فى جانبها المعرفي عبر تطبيقات جل غرضها كشف وتعرية سوءة الإنسان والانتصار للرذيلة وبث الفوضى.
إذا ما عرضنا مثل هذه المشكلات على إنسان اليوم ، هل عقله سيقبل طروحاتنا وسيفكر ويتفكر ، بون شاسع بين يفكر ويتفكر ، فقد يفكر برهة من الزمن لكن لا يتعمق ما يفكر فيه ، فهو مهموم ومشغول بأمور أخري مادية ، كأن كيف يوفر لقمة عيش له ولمن يعول ، وهنا يحدث ما نسميه القطيعة المعرفية بينه وبين أن يقرأ ويستقرأ حدوث الظواهر الطبيعية أو حتى حدوث الحروب والصراعات ، فإما أن يصاب بداء اللامبالاة أو يصاب بتخمة معلومات تفرض عليه فرضا من أبواق ليس لها هم إلا تدمير عقل الإنسان بما هو كذلك وتحويله من إنسان عاقل إلى ربوت آلي ينفذ تعليمات فقط ، فيتحول من إنسان إلى آلة جمادية مجرد أن ينتهي عمرها الافتراضي ستتوقف ، من الممكن أن تجرى لها صيانة لكن قد يكون الوقت انصرم وانقضى.
فهل أعطينا عقولنا فرصة فى التفكير والتفكر.؟!

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

دكتور عادل القليعى مقالات عادل القليعى جدلية العلاقة بين خلق السموات والأرض وخلق الإنسان. تصورات ورؤي. الجارديان المصرية