الأربعاء 11 سبتمبر 2024 10:20 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الكبير طارق محمد حسين يكتب : ام كلثوم النغم الخالد

الكاتب الكبير طارق محمد حسين
الكاتب الكبير طارق محمد حسين

فى ذكرى وفاتها التاسعة والأربعين عاما انقضت منذ وفاتها تسع وأربعون عاما ولايزال صوتها ملء السمع والبصر ، وسوف يظل مكانها شاغرا لم يملؤه احد حتي الان ولآمد طويل لا يعلمه إلا الله ، إن مكانة أم كلثوم فى قلوب الملايين المحبين والعاشقين لفنها سوف تبقى نابضة بالحياة ما بقيت فيهم دماء تجرى ، وانفاس تتردد ، ورهافة حس وتذوق فني لا نشعر به مع غيرها ، فمن غيرها كان قادرا على أن يبعث فينا كل هذا الانتشاء الساحر ، الذي جعل حياتنا على صوتها الشجي ، واغنياتها العذبة ، وقصائدها الفاتنة ، كالواحة الخضراء تظللها البهجة ، إنها أم كلثوم يا سادة التى اقسمت ان تسحرنا بغنائها ، وقد ابرت بقسمها واوفت بوعدها ، انها ام كلثوم هرم الغناء المصري الشامخ، الذي يقف جوار اهرام الجيزة ، كما وصفتها الصحافة الامريكية فى الستينات ،إنها أم كلثوم ظاهرة فنية تاريخية مدهشة ومبهرة ، لم يتوقف ابداعها فقط عند صوتها العذب القادر المتمكن ، والمعجز بجماله ورقته ودقته ، وقوته وعذوبته ، ولا بما قدمته من اغنيات وقصائد حفرت مكانها بالفعل فى تاريخ الغناء المصري والعربي عن جدارة واستحقاق ، ولكننا هنا بإزاء منظومة متكاملة غير مسبوقة من الابداع ،بدءاً من شخصيتها وما كانت تتسم به من ذكاء اجتماعي ، وخفة ظل ، وروح دعابة محببة ، وحس فنى راق ، مع امتلاك تام لناصية اللغة العربية ، التى اكتسبتها من حفظها المبكر لأجزاء من القرآن الكريم ، وتلاوته مجوداً كذلك ، وذلك من خلال نشأتها القروية فى بيت من المنشدين للقصائد والمدائح النبوية ، مما كان له اكبر الاثر على صقل موهبتها الفذة فى تذوق الشعر العربي ، مع احساس عميق بالنغمة وباللحن المصاحب للكلمة ، وبالقدرة المدهشة والغير مسبوقة على الارتجال ، والاتقان المتناهي والمحكم فى ترويض القفلات ، التى كانت تنتزع الآهات من قلوب المستمعين ،ولا ننسي لها دورها الوطني في دعم المجهود الحربي بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ ، ويشاء الله ان يتزامن ظهور أم كلثوم بحنجرتها الماسية ، وصوتها الساحر ، فى زمن إرهاصات عصر التنوير على أرض مصر مع بدايات القرن العشرين ، مع وقت ظهور فرسان الكلمة مثل احمد رامي وبيرم التونسي ، صلاح جاهين ، وعبد الفتاح مصطفى ، وعبد الوهاب محمد وغيرهم ، وشعراء الفصحى مثل : امير الشعراء أحمد شوقي ، وشاعر النيل حافظ ابراهيم وإبراهيم ناجى ، وأحمد فتحي ، وطاهر أبو فاشا ، ومحمد اقبال ، وأبى فراس الحمداني وغيرهم ، ومع عباقرة النغم فى الموسيقي والغناء العربي ، مثل السنباطي والقصبجي وزكريا احمد ومحمد عبد الوهاب ، ومن بعدهم محمد الموجي ، وكمال الطويل ، وبليغ حمدي ، وانتهاء بسيد مكاوي ، ولتكتمل منظومة الابداع ، بجمهور من المستمعين كانوا يقدرون الكلمة حق قدرها، ويتذوقون عذوبة الالحان وجمالها ، حقا لقد كان انبثاق ظاهرة أم كلثوم على أرض مصر ، متواكبا مع بزوغ عصر نهضة الرواد من المفكرين والادباء والشعراء والفنانين ، وفى أعقاب ثورة التجديد فى الموسيقي والغناء التى فجرها خالد الذكر سيد درويش ، نحن إذن بإزاء صدفة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، اكتملت فيها واجتمعت وتلاقت كل عناصر الابداع ، على غير اتفاق ، فكانت كوكب الشرق أم كلثوم - هبة السماء لنا ، عاشت أجيال معها ومع فنها ولا زلنا نستعيد احلى واجمل اوقات عمرنا ، حيث كانت توقظ فينا بغنائها ارقى وانبل المشاعر والاحاسيس ، كما علمتنا كيف نتذوق الموسيقى والغناء فى أبهى صورهما ، وكيف تكون الكلمة المغناة سامية وراقية ، اما عن قصائد الشعر العربي ، فقد تميزت ام كلثوم بأدائها فيها تميزا فريداً ومبهراً ، لم ينافسها فيها أحد حتى الآن ، لتدخل تاريخ الغناء كمطربة القصائد الأولى ، حيث قدمت أكثر من ستين قصيدة بالشعر العربي الفصيح ، فكان أن أسدت بغنائها هذه القصائد خدمة جليلة إلى لغتنا العربية الجميلة ، استطاع الناس أن يتعرفوا من خلالها على جماليات وعجائب وإعجاز هذه اللغة ، ولم يكن عجبا ان تسمع الناس يغنون هذه القصائد ، وينطقون كلماتها بطريقة صحيحة ، والبعض منهم لم يكن قد نال حظا مناسبا من التعليم ، ولكنه صوت ام كلثوم الآسر وفنها الساحر ، حقا كان عهدا جميلا وزمنا يستحق أن يوصف بأنه زمن ام كلثوم ، عشناه معها ، وزرعنا خلاله اغصانا من الامل ،ً كانت ترويه ام كلثوم بغنائها العذب وفنها الباقي والخالد ، رحم الله أم كلثوم ، ولا عزاء في فن المهرجانات وما علي شاكلته التي لوثت اسماعنا .