السبت 27 يوليو 2024 12:54 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : شجاعة مرافق وسعة صدر وزير !!

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم
الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

كنت في سالف الأيام علي صداقة مع المهندس نبيل. زكي أبو عامر ، بعد أن عرفني بنفسه في مركز ومدينة طنطا ، أثناء التقديم لعضوية المجالس المحلية ، والتي بعدها شغل مركز رئيس المجلس المحلي لمركز طنطا ، قبل أن يكون نائب دائرة محلة روح موطني الإنتخابي ، وعندما تولي شقيقه الأكبر الأستاذ الدكتور محمد زكي أبو عامر الوزارة ( شئون مجلسي الشعب والشورى) استأذنت المهندس نبيل في أن ازور معالي الوزير لتقديم التهنئة ، لاسيما أن مركز طنطا الذي أعيش في محيطه الإداري فقير إلي حد ما في تولي الحقائب الوزارية ، فأذن لي ، واتكأت علي معرفتي الوطيدة بالأستاذ عبد المنعم سعيد زوج شقيقة الوزير و بالمستشار الجليل محمد أبو عامر زوج شقيقته ، رفيقي الدائم في قطار الديزل رقم ٩٣٦ المتجه من طنطا إلي القاهرة في تمام السادسة صباحاً ، والذي رجوته حضور المقابلة تخفيفا علي من الإحراج لعدم سابق معرفة بمعالي الوزير من قبل .
وفي اليوم المحدد لتقديم التهنئة بمنزل الأسرة بقرية صناديد مركز طنطا ، أصر زميل لي موريتاني كان يدرس بجامعة الأزهر التي أشرف بالانتساب لها بكلية أصول الدين أن يوصلني بسيارة كانت لزوج أخته ، وعندما وصلنا إلي قرية الوزير ، أصر شقيقه علي دخول زميلي الموريتاني معي بحكم شهامة أهل الريف .
دخلنا المنزل المطل علي الطريق وجلسنا وسط جموع المهنئين بحديقة المنزل التي تغص بالجلاس، وما فيها مكان إلا في أخريات الناس ، وجلست أتفرس في الوجوه ، وكلهم إلى شقيقه ناظر يشنفون أذنيه بالإطراء والمديح، ويجملون في الطلبات بالتصريح و التلميح.
فلما انقضى وقت الترحيب والتسليم إلا أقله، قمت أودع المهندس نبيل فأومأ لي بالجلوس ، ثم أدناني ورفيقي من الوزير فهنأته بالمنصب الصيد ، وسألت الله أن يحميه من الكيد ، و أن يعطيه من نعمه الزيد ، وأن يجنبه مزالق التسيير، وأن يعصمه من مساوئ التدبير.
ووسط السعادة التي انتابتني عندما قربني من الوزير ، إلا أن رفيقي قلب الطاولة علي رأسي ، عندما طلب الكلمة دون أن يشاورني ، فأعطاه إياها معالي الوزير ، فقال : له تأذن لي أن أعيد علي مسامعك بعض من مفردات خطبة ألقيتها في بلدي في مثل هذا الموقف ؟
فنظرت إليه لعله يفهم اني لا أريد ذلك ، ولكن موافقة الوزير كانت أسبق وأقطع ، قال ، أنا لك سامع .
قال : اعلم أعزك الله أيها المسيِّر، وكفاك بمنِّه كل ما يحيِّر، أن مصالح الشعب أمانة في يديك، وليست هدية لبطانتك، فلو جلست في بيتك قطعا ما أهدي إليك. فأد الأمانة إلى أهلها، ووف الحقوق دقها وجلها.
و أحرص على عرض مشكلات الشعب بكل شفافية وأمانة ، لا تجامل القيادة ، ولا تخفي وجع يؤلم فرد أيما كان حجمه ومكانه ، و إياك والقريب الخدن وهو الذي يمشي بين الناس يجر كـــُمـــَّه فتخال الوزير خاله أو عمـــَّه. فيقفز علي القرابه لتحقيق مصالحه ، مجانبا بذلك التوفيق و السداد.
وقبل أن أوقف قوله ، أشار له الوزير بتدفق سيله ، مبتسما ابتسامه المستريح للقول . مما شجع الرفيق علي قوله :
وإجمالا ياجناب الوزير ، خوفا من الإطالة وقطعا لتوتر الزميل من وقوعي في خطأ يحاسب هو عليه ، ينبغي على كل وزير بصير ، أن يحذر الوقوع في جميع أخطاء التسيير، وليتق لله فيما وكل له ، وليعلم أن مِلاك حسن التسيير هو استشعار رقابة الخبير، والإكثار من ذكر يوم التلاقي، والتفاف الساق بالساق، ولحظة بلوغ التراقي، والبحث في الآفاق عن راقي. و ليعلم كل وزير انه مسؤول حتما عن الأربع، مهما طال به الجلوس علي كرسيه . واتمني أن تكون ممن تقدر هذا وترقبه ، وأظنك علي خير لما رأيت من تواضعكم ، وما نفحتنا به من حسن مقابلة ، وشنفت آذاننا به من كلمات بكر علي مسامعنا لم نسمع بها من قبل !!

عند ذاك لم اسمع نبض لقلبي ، ولم أميز هل أنا أجلس علي كرسي أو منضدة أو مصطبة ، غارت الأرض من تحتي ، من قول صاحبي ، فإذا بالوزير ينتصب واقفاً ، وأخذ الرفيق في حضنه وقبله ، وقال له نعم الجليس أنت ، ونعم الناصح أنت ، ونعم الخطيب المفوه أنت.

نزلت كلماته لصديقي برداً علي قلبي الملتهب ، بل إنه هنئني علي زميلي ، وأخذ العهد علينا أن نزوره هنا في الأعياد والإجازات .
وعند زيارتي له ثاني مرة لم يكن صاحبي معي ، ولكن الزيارة الأولى أهلتني لحوار جميل متشعب ومتعرج أخرج الكثير من مفردات الوزير البلاغية ، ذات الجزل البالغ ، لاسيما وهو شخصية رقيقةً مرهفة، آسرةٌ وجذّابة وكأنه يحمل جهاز إرسال واستقبال ذبذبات الدفء الإنسانى التى تقرّب الناس إليه !!
زادت الشخصية الثرية ثراء فكري ولغوي مصاهرته للشاعر الغنائى الرقيق مرسى جميل عزيز الذى تغنى بكلماته العذبة عبد الحليم وأم كلثوم وفايزة أحمد وغيرهم.

وتطرق الحوار إلي طبيعة العلاقة التي تربطه بالوزير والنائب التاريخي كمال الشاذلي الذي كان يتوجس من منافسته وقد تشاركا معا لعدة أشهر كوزيرين لشئون مجلسى الشعب والشورى سابقا حتى تم فض هذه الشراكة وتفرّغ لوزارة التنمية الإدارية .
وكان مما حكي أنه كان في استقبال الرئيس مبارك في معسكر الجلاء للقوات المسلحة بالإسماعيلية علي إفطار يوم من شهر رمضان ، وأنه نسي علبة سجائره في السيارة ، وعندما افتكرها أراد الخروج لاحضارها فأبلغه الحرس بأن الوقت لا يسمح نظرا لقرب الآذان وقرب لحظة دخول الرئيس ، وبعد تناوله المشروب أراد أن يدخن سيجارة إعتاد في مثل ذلك الوقت علي اشعالها ، فطلب من الفريق مشهور احمد مشهور رئيس هيئة قناة السويس سيجارة فأعطاه إياها ، فأشعلها ، ثم عاود الطلب مرة أخري فأعطاه ، وفي الثالثة قال له لم ببق معي غير إثنين ادخرهما تحسباً لطول وقت الزيارة. ولكنه طلب منه ولاعته ليشعل هو سيجارته فرفض إلا أن يعطيه الأخري ، وأثناء المحادثة انتبه الرئيس للحوار وسألهما عن سبب المناوشة علي الإفطار، فحكي له الوزير أن الفريق مشهور يرفض إعطائه سيجارة وبالتالي رفضت إعطائه الولاعة ، فسأله الرئيس: وأين سجائرك ؟ قال في السيارة والحرس رفض الخروج لاحضارها فضحك الرئيس وأمر الحرس بإحضار ها !!
واشتمل الحوار الماتع مع الوزير كيف اختير وزيرا وهو آنذاك
عميد كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ، والأمين العام للحزب الوطني الديموقراطي بالمحافظة . وهو في الخامسة والأربعين من عمره . وغيرها من الموضوعات التي قد تطيل المقال .
رحم الله الأستاذ الدكتور محمد زكى أبو عامر الذي مارس السياسة فى كبرياء بلا ترخص ولا تزلف. وحتي بعد أن احتدمت المنافسة بينه وبين الوزير كمال الشاذلي ، أحسنت الدولة صنعا عندما عينته ، وزير الدولة للتنمية الإدارية ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة .