السبت 27 يوليو 2024 04:29 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور بهاء درويش يكتب : شذرتان من أسفل لسان مر

دكتور بهاء درويش
دكتور بهاء درويش

الشذرة الأولى

عندما تتحقق الرغبة في العلو بشأن المؤسسة، ويعي المسؤولون أن نتاج الرغبة في العلو بها واتخاذ خطوات في هذا المسار انعكاساً بالخير عليهم، يتحقق خير جميع منسوبي المؤسسة بارتفاع شأن المؤسسة، وقد ينعكس هذا الخير على خير الكؤسسات ذات الصلة. إذ لازالت أكبر مشاكلنا غياب الوعي بأي القيم يجب اتباعها- في أي سياق- حتى ولو كنا نفكر نفكيراً نفعياً.

متى لم يكن الحال هو هكذا، فستجده نتاجاً لغياب هاتين المقدمتين أو إحداها. وعلمنا المنطق أنه في فياب إحدى المقدمتين غياب للنتيجة. ومتى ظهرت مشكلات في المؤسسة، لن يُفعّل المسؤول- غالباً- القانون لأن سيطرة مصلحته الشخصية على فكره وسلوكه تسبق تفكيره في إنفاذ القانون، ولن تجد الكبير الذي يمكنه التدخل بالحل، لأن " الكبير قيمة" لم يعد له تقريباً وجود، لأحد سببين: إما لأن الأصغر رأوه باحثاً عن مصلحته الشخصية، فتعلموا منه هذه القيمة، وإما كان غيابه اختيارياً إحتراماً لذاته لأن القيادات أضحت تنصر الصغار عليه أو لا تستمع له وظن الصغار ألا حاجة لهم إليه لأنهم ومسؤوليهم أنفسهم لا يعرفون معنى " الكبير قيمة" أو الدور الذي قد ينفع به، فاحترم نفسه وخسر الجميع.

---------------

الشذرة الثانية

لعنة الله على الذاكرة! كم هي قاسية، وخاصة متى كانت ذاكرة من عاش عمراً ليس بالقصير، عاشه طولاً وعرضاً وصادفته خبرات واختبارات حياتية كثيرة وتعلم مناهج البحث التاريخي والمقارن والتحليلي والنقدي وتعلم كيف يطوعهم في حياته. يجد ذاكرته دائمآ حاضرة لا تريده أن يحيا لحظاته الراهنة، فيجد نفسه يقارن بين أمور تحدث الآن وأمور كانت تحدث سابقاً فيتحسر على قيم ضاعت اعتاد عليها ورضيها ورآها حافظة لكرامة الإنسان وتحقيق الأمن والأمان. فاذا ما عنت له فكرة أخذ يصعد بها في التاريخ إلى أقصى ما يمكن للذاكرة أن تأتيه بأصولها حتى الآن فيتحسر ويحزن لما طالها من تغيير. واذا ما سلك معه صغير أو جار أو زميل أو شخص عادي صادفه في أي مكان مسلكاً، أخذ يقارن بين هذا المسلك وكيف يسلك مع هؤلاء عندما كان في أعمارهم أو الآن، فيشعر أيضاً بالضيق.

ما لهذه الذاكرة لا تأتي سوى بما يضايق؟

لا تظلمها إنها تذكرك احيانا بامور أسعدتك في الماضي.

نعم ولكن ما أن يتذكر المرء هذه الحوادث حتى يجد المنهج المقارن يقفز الى الأمام فيذكره بما يقارنها بها من مثيلاتها الحالية فيصيبه الضيق.

يا أخي قل الحمدلله! أليس ذلك أفضل من الإصابة بالزهايمر بحيث لا تتذكر الأشياء ولا الأفراد؟

لا، الزهايمر يلغي الذكريات القريبة، أما القديمة فليس بمقدوره أن يلغيها جميعها من الذاكرة. ستظل ذكرياتك القديمة الجميلة محفورة في ذهنك لا تضيع. ولكني سأبحث عن أصحابها ولن أجدهم، ألن يصيبني هذا بالضيق؟

يا اخي أتعبتنا! لا التذكر يعجبك ولا النسيان يرضيك، ماذا تريد؟

سيأتي اليوم الذي سيصبح صاحب الذاكرة ذكرى يحددها الآخرون

دكتور بهاء درويش مقالات بهاء درويش شذرتان من أسفل لسان مر الجارديان المصرية