السبت 27 يوليو 2024 04:26 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

د.كمال يونس يكتب: جنتها في صدرها

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

رآها برفقة مدرستها قريبته ، قدمته لها بعد أن سلم عليها ، عرفت منه أنه مدرس بكلية التجارة بجامعة إقليمية ، لكنه مقيم بالقاهرة ، راقبها أثناء خروجها من المدرسة ،تتبعها عدة مرات بحذر ، عن بعد، ذات يوم اقترب منها حياها مذكرا إياها بنفسه ، قرابته من مدرستها ،أبدى رغبته في أن يتقدم لها ،أهلا بك ،هذا الكلام مكانه البيت ،سأحضر إليكم اليوم، طرق الباب مساء ،فتحت ،رحبت به ،أخبرت والدها ،قابله رحب بهم ، دعاه للدخول، فاتحه في رغبته الزواج من ابنته ،أمهلني بعض الوقت لأستعلم عنك ، أسألها رأيها ،هي تعرفني،تعرفك !!!،تعرفك!!!،هل تقابلتما من قبل،انتابت الأب ثورة غضب عارمة -لحظة فارقة أدخلتها دوامة من العذابات عانت منها طوال عمرها - طرده شر طردة ،نالها بعدها من العقاب والتعنيف مانالها ،أقسم بالله أنه سيزوجها بعد انتهاء امتحانات الثانوية في الصعيد من ابن زوج عمتها التي ربته بعد وفاة أمه ، أمها رفضت ،ولكنها بلا حول ولاقوة أمامه، شقيقاها لم يوافقا على هذا الزواج،لم ي يتمكنا حتى من مناقشة أبيهما الموظف الكبير ،صلب الرأي العنيد،اتخذا موقفا بمقاطعة والدهما ،ومراسم الزواج ،الذي سيقت إليه في أغلال من العادات والتقاليد والسلطة الجائرة الغشوم ،بلا أدنى اعتبار لرفضها أو قبولها ،فلم تكن لها أدنى إرادة أمام تلك السلطة الأبوية الطاغية التي سلبتها إرادتها ،أقامت بالصعيد مع زوجها الغيور القاسي المتسلط ،أذاقها العذاب أشكالا وألوانا،توفى والدها ووالدتها ، شقيقاها اشتريا فيلا لها لتقيم فيها مع زوجها بالقاهرة لعله يهدأ،خاصة وأن الله رزقها بولد وابنتين، على العكس تماما، تمادي ،تكبر،طغى ،تعسف،ازداد قسوة ،طلبت الطلاق ،لم يكن طلاق الخلع معمولا به آنذاك ،قايضها ،طلبها أن تفتدي نفسها بالفيلا،أين سأقيم بولدك وبنتيك،أخيرا وافق على الطلاق نظير نصف الفيلا ،أقامت فيها وأبنائها ،أقامت سورا داخليا يحجبه عنها،قاطعها شقيقاها ،كيف تضحى بملكها لهذا القاسي العنيد؟!!!، ولكنهم كانوا يساعدونها من آن لأخر ،تيسر لها الحصول على معاش كبير من والدها، أكملت تعليمها بكلية التجارة ،كان تذاكر هي وأبنائها المتفوقين ،مرت الأيام تخرج ابنها في الجامعة ،أصيب طليقها بخرف الشيخوخة (الألزهايمر)،تصرفاته غير معقولة ولامسؤولة ،اضطر ابنه وبناته استئجار حارسا خصوصيا لكيلا يهرب ويمشي في الشوارع على غير هدى،حتى توفى بعد أن تدهورت صحته عاجزا عن الكلام والحركة والإدراك،قام ابنه ببيع الفيلا بذكرياتها السيئة ،أعطى أمه وشقيقته نصيبهما ،اشترى لأمه فيلا صغيرة بأحد الضواحي تقيم بها بعد زواجه وزواج بناتها،بعد تخرجهم في الجامعة ،حصولهم على أعلى الشهادات، التحقوا بوظائف راقية ،كرمت باختيارها أما مثالية ،انشغل كل في حياته ، حتى تلاقت وطبيب يماثلها في العمر والمعاناة ،كان متزوجا من سيدة غيور ،متسلطة ، متكبرة ، سليطة اللسان ، تصرفاتها هوجاء.حتى أنها كان تقتحم غرفة الكشف لترى مع من يجلس، ولولا أن له منها أبناء وبنات لطلقها ،ولكن حفاظا على الوضع الاجتماعي لأولاده لم يفعل ،داعيا الله أن يهديها ،كان لا يأكل معهم ،عاش على أطعمة المطاعم ، ملابسه كان يرسل بها المغسلة ،يقضي كل حياته تقريبا بالعيادة متجنبا إياها ،بعد عدة مرات من ترددها عليه بالعيادة للعلاج ، ارتاح لها ،طلبها للزواج،وافقت ووافقها أباؤها ،زفت إليه ، لم يقم معها في فيلتها ،ولكنه اشترى لها شقة أقاما فيها ،عاش معا أحلى سنين عمريهما ،عوضهما الله خير العوض عما لاقياه ،لكن أصيب بالمرض الخبيث ، تعلمت التمريض ،تفانت في خدمته حتى توفاه الله ،بعد دفنه ،في ذات اليوم حضرت زوجته ، أبناؤه ، ليتشاجروا معها ،ليطردوها من الشقة .ولكنها إكراما لذكراه تنازلت عن ميراثه،استردت معاشها عن والدها الذي انقطع بزواجها ،ولم تستطع الجمع بين حصتها في معاش زوجها ومعاش والدها ،عادت لفيلتها ،صابرة محتسبة ، في جو من الحب والود والحنان من أبنائها وأحفادها ،لاتفارق الابتسامة محياها ، صابرة محتسبة ما كابدته في حياتها، وجنتها في صدرها .

87888404736f.jpg