الجمعة 3 مايو 2024 10:49 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

الأديب محمد خضر يكتب : بنت العطار

الأديب محمد خضر
الأديب محمد خضر

من الذى دفعها إلى ترك دراستها ،هل بسبب الكسل ؟ أم عدم وجود حافز؟ اختصرت الطريق لعلمها أنها مهما اتعلمت وحصلت على شهادة ،سيكون مصيرها الزواج وتربية العيال كباقي فتيات الحي، ماالذى جعلنى منجذبا إليها؟، يشدنى لها؟، هل هو الحب أم جمالها ؟ ماذا تريد،لم تتصرف هكذا ، لقدتهت من نفسى وتاهت منى الأشياء.
حرصت أن اطلب من أمى إحضار احتياجاتها من السوق حتى أذهب إلى أحمد العطار كي أراها، ولكنني لم أجدها مرة ثم مرة ثم مرات، لم أراها،ياترى هل تشعر إننى ابحث عنها أو أعجبت بها؟، هل خافت منى؟، ام أنها تبادلنى نفس الشعور ،نظرت من شرفتى وأنا أقرأ قصة سندباد وهو يبحث عن بنت السلطان ، في إحدى المجلات التى عودنى أبى من صغرى على قراءتها ، أكملت القراءة ، تذكرت سامية بنت الجيران زميلة الدراسة، كنا نذهب معا إلى المدرسة ذهابا وايابا، ورغم ذلك لم نحب بعضنا البعض، بل كنا أصدقاء ،لكأن الحب مايزال لم يولد بعد.
عند ذهابى إلى المدرسة تعمدت أن أقوم بتغيير مسارى من شارع درب البهلوان إلى شارع زين العابدين ربما المحها أو حتى أراها فى المحل،خابت ظنونى، وذات يوم عند انتهاء اليوم الدراسى قررت أن أذهب إلى محمد رجب زميلى فى الفصل الذى غاب اليوم، ولم يحضر درسا مهما فى الرسم الهندسى، وعلى الرغم من أنه كان يسكن فى شارع قواوير، ذلك الشارع يقع خلف المدرسة ،مما يسهل الوصول إليه من خلال الحارات، واختصار الطريق، لكنني خرجت إلى شارع الخليج المصرى، ثم المقام ، ثم شارع الكومى الموجود به سينما الشرق، حتى وصلت ناصية شارع المبتديان الذى على ناصيتة سوبيا الرحمانى، بينما مدرسة السنية الثانوية بنات، وجوارها مدرسة السنية الإعدادية بنات أيضا ،وبينما كنت اخترق الشارع بين خيرت والكومى ومحلات عمر افندى لمحت بعض البنات يخرجن من المدرسة الإعدادية، ماجعلنى أتفحصهم،أتفرس في وجوههم ، حتى رأيتها بين البنات، توقفت قدماى عن السير من المفاجأة ؟، أمعنت النظر إليها بشدة ، يبدو أن البنات شعرن بى و بااندهاشى حتى أنهم نظروا إلى جميعا إلا هى، لم تنظر إلى، هل من الممكن أنها قد رأتنى فلم تنظر حتى لاتثير انتباه زميلاتها؟ انصرفت مسرعا ، لم أنظر خلفى ، واصلت السير فى طريقى، وأنا مذهول، ولكنني ارتحت قليلا عندما علمت مكانها ، وسوف أحاول أن أنتظرها بعيدا ربما تحاول ان تجعلنى اتجرأ وأتكلم معها.
انتظرت الصباح بمنتهى السرعة، حاولت أن أكون مبكرا حتى أراها وهى ذاهبة إلى المدرسة، ياليتنى كنت عرفت مكان منزلها، بينما الدهشة قد جعلتنى لاأفكر فى هذا، عندما هممت إلى الخروج سمعت صوت أمى من خلف باب غرفة النوم،
_انت رايح فين ياواد يامحمد
_المدرسة يا امى
_انت اتهبلت ياواد النهاردة الجمعة ينيلك يابعيد
استعدت نفسى، وتاهت منى الأفكار، ما الذى حدث لي حتى انسى أن اليوم الجمعة ،يابنى انت لسة بدرى على النسيان،بالتأكيد سوف أراها اليوم فى المحل ، عدت أدراجى، تمددت على السرير فى غرفتنا المستقلة مع اخواتى، ولم يغفل لى جفن،منتظرا خروج أبي لعمله،كانت إجازته الأحد ، الوقت يمر بطيئا بطيئا ، وأنا أفكر ما الذى سأفعله عندما أراها، انتظرت أن تناديني أمى وتطلب شراء الإفطار ،ولكن ليست كل محلات السوق لم تفتح أبوابها فى الصباح الباكر، إلا عم بحبح بائع الفول والطعمية ،أفران العيش البلدى والافرنجى ،محل تحميص البن الوحيد الموجود في شارع زين العابدين، ذلك المحل دائما كنت استنشق رائحتة وأنا طفل في المدرسة الابتدائية، وظلت تلك الرائحة تلازمنى حتى الآن ،ومن خلالها أتذكر أيام الطفولة.
كالعادة أحضرت الأطباق الصينى من المطبقية الموجودة فوق حوض المطبخ، ثم فتحت النملية حتى أرى كم رغيف عيش موجود بالفعل ، أخدت النقود من أمى، خرجت إلى الشارع، وجدت يحيى السواح أيضا ذاهب لشراء الإفطار، مشينا معا، أولا إلى مخبز حفنى لشراء الخبز، ثم بعد ذلك إلى عم بحبح ،كنا نتبادل الحديث معا عن المدرسة ، ومايحدث فى مدرسة الخديوى إسماعيل الثانوية الذى يدرس فيها يحيى السواح، وخصوصا اللغة الثانية التى يدرسها يحيى أول مرة، كم هى صعبة حيث أنه يتعلمها لأول مرة ،مثل اللغة الانجليزية التى تعلمناها أيضا فى الصف الأول الإعدادى، ثم بعد ذلك تعودنا عليها ،عدنا كل منا يحمل الطلبات، بسرعة قامت أمى بتحضير الفطار ،وجلسنا فى وسط الصالة ملتفين حول الطبلية وتناولنا الإفطار اللذيذ.
أنتظر أمى لتعطينى الورقة التى بها متطلبات البيت، والنقود حسب ما تعودت، وأنا فى لهفة وتسرع حتى أرى الجميلة التي لم أعرف أسمها حتى الآن.
خرجت مسرعا ، اخترقت شارعنا، ثم انحرفت يمينا إلى شارع زين العابدين حتى وصلت إلى محل عم حسن اللبان وقلبى ينتفض سريعا ، متمنيا أن تكون موجودة ، ياللجمال ،لمحتها جالسة على جانب المحل، الجميل أنها وحدها ، دون تردد وقفت خجلا، كيف أتصرف ،وليس في الورقة مايشير أن اشترى شئ من عندها ،عندما رأتنى ابتسمت إبتسامة خفيفة ثم بادرتنى بسؤال.
_هي مدرستك قريبة من مدرستى
_ابدا كنت ذاهب إلى زميلى فى الفصل الذى غاب اليوم هو أنت شوفتينى.
_أيوه مش عارفة ليه كنت عاوزة أتكلم معاك .
_ممكن أنتظرك بكرة لكن بعيد عن المدرسة شوية مثلا عند دار الهلال.
_حاضر
تركتها، ذهبت ،لم أصدق، هل هو حلم أم حقيقة؟، نسيت نفسى أو أنسانى الحدث شراء طلبات البيت، أنها قد قصرت بينى وبينها المسافات وجعلتنى سعيدا توقفت قليلا حتى استعيد نفسى وأقوم بشراء الأشياء.....
انتظرت اليوم الثانى ،أريد أن يمر الوقت بسرعة ، بينما يمر بطيئا بطيئا، أتذكر يوم وقفة العيد الصغير ، يمر ببطأ ،لم يغمض لى جفن، ماهذه الفرحة ، ما أجمل فرحة اللقاء ، يا لحلاوة الحب وجماله، تلك السعادة أظن أنها تأتى مرة واحدة فى العمر هكذا أشعر،
وأنا منتشى من السعادة، شعرت بمن يطبطب بيده على كتفى، يهزنى، يهمس فى أذنى.
_واد يامحمد اصحى كفاية نوم مش تقوم علشان تجيب الفطار والا أنت كسلان.
فركت عينى ،التفت يمينا ويسارا ،فى سقف الحجرة ، حتى وجدتنى لم أغادر السرير من أمس، أقول فى نفسى ماهذا الذى يحدث ؟هل كنت احلم ؟ كيف ؟ إنه فعلا حقيقى حلم ضحكت ضحك هستيرى وأنا اردد حلم جميل.