الموسيقي و الأديب السكندري محمد سلطان يكتب : ( مشوار الحياة )
بعد أن أفاقت من البنج _ حيث أن الولادة تمت بعملية قيصرية _ تلفتت روحية حولها , فلم تجد أثرا لمولودها .. سألت عليه الممرضة فأخبرتها بأنه قد فارق الحياة بعد ولادته بدقائق ... حزنت و بكت وليدها الذي لم تره , لكنها بعد ذلك عادت و استغفرت و حمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه .. فقد كانت تفكر طويلا في ذلك المستقبل المجهول الذي ينتظره , حيث أنها أم لأربعة أولاد و زوجها عامل باليومية في مصنع أسمنت و دخله بالكاد يسد احتياجاتهم الضرورية .. فما بالك لو أتى وافد جديد .. و الحقيقة أن روحية عاشت مع زوجها قصة كفاح مريرة , لضيق ذات اليد .. و لما كان الأمر كذلك , فقد اهتدت لطريقة تمكنها من مشاركة زوجها في تحمل أعباء المعيشة ...فكانت تجلس كل يوم أمام المنزل ببعض أقفاص الخضار تبيعها لسكان الحى ... و هكذا كانت الحياة تستمر و الأيام تمر .. ثم سعت فيما بعد لإدخار ما يمكن ادخاره .. و بعد ثلاث سنوات تمكنت من شراء قطعة أرض صغيرة و قامت هى و زوجها يساعدهما الأبناء ببناء غرفة صغيرة تأويهم .. و بمرور الوقت اشتد المرض على الزوج .. و أخيرا أخبره الطبيب أنه مصاب بالسل الرئوي .. و رغم نزول الخبر كالصاعقة على رأس روحية , إلا أنها تماسكت و استجمعت كل قواها و طلبت من زوجها _ في إصرار لا رجعة فيه ألا يذهب للعمل .. و ستتكفل هى بتلبية احتياجات الأولاد , إلى جانب نفقات الأدوية و العلاج لزوجها ....
_ الحمل بقى كتير أوي عليكي يا روحية ..
_ يا اخويا ما تقولش كده . دا انتا جوزي و شريك حياتي و أبو أولادي
_ أصيلة و الله يا روحية
هكذا كان الحوار دوما بين روحية و زوجها .. إنه بالفعل يقطر عذوبة و شجنا
و عليه فقد تحملت روحية كل تلك الأعباء الثقال , فهى موزعة بين بيع الخضار و متايعة أولادها و زوجها الممدد على السرير أغلب الوقت من سدة المرض .. لكنها لم تيأس و لم تهن لها عزيمة .. و لم تتململ أبدا ...
كانت روحية قد تعرفت أثناء الولادة على سيدة بالسرير المجاور لها و التي أكدت لها ضرورة التزاور و التعارف بعد خروجهما من المستشفى ...
و في عصر أحد أيام الصيف تذكرتها .. و بعد أن فرغت من البيع , تداعى إلى ذهنها زيارة تلك الصديقة العابرة .. إستأذنت زوجها و توجهت إلى منزل صديقتها .. و ما أن دخلت و سلمت على الحضور و همت بالجلوس .. إذ برجال مباحث الآداب يقتحمون المنزل و يلقون القيض على من فيه و هى منهم .... لم تدر بنفسها إلا و هى نزيلة الحبس , إنتظارا لموعد الجلسة ..
كل ذلك و زوجها العليل لا يعلم شيئا عما حدث .. بحث عنها في كل مكان , فلم يجد لها أثرا .. و هى بالتالي لا تعرف كيف تخبره أو حتى كيف تلقاه ...
تصادف أحد الجيران برؤيتها في محبسها , و علم بالموضوع من بعض النزيلات , فتوجه على الفور لزوجها و أخبره بموعد نظر القصية ..
توجه الزوج للمحكمة برفقة أبنائه .. و ما أن وقعت عيناه عليها داخل قفص الإتهام .. إلا و توجه نحوها
_ يا سلام يا روحية .. دي بقى الشغلانة اللي كنتي بتصرفي علينا منها ؟
_ أبدا و الله يا اخويا .. مظلومة ..و الله العظيم مظلومة
_ يا ريتك يا شيخة ما صرفتي .. يا ريتك ما جبتيلي علاج .. يا ريت سبتيني اموت أكرم لي .
_ صدقني مظلومة ... دي أول مرة أروح لهم
_ روحي الله يسامحك و انا و العيال لينا رب إسمه الكريم .
و هنا تعالت أصوات بعض الحضور الذين كانوا يقفون بجوار القفص يطالعون ذلك المشهد المؤئر :
يا عم مش كده .. يا راجل حرام عليك .. دي باين عليها مظلومة و الله .
و هنا يصرخ الحاجب ( محكمة ) .. يسود القاعة صمت تام .. يدخل القاضي و بقية المنصة ... تتوالى إجراءات المحاكمة
القاضي موجها كلامه لها : إنما انتي إيه علاقتك بالناس دول يا روحية ؟
تبكي بحرارة و ترد بتلعثم و ارتباك : مظلومة و الله يا بيه ..بقى دي معقولة .. دا انا عندي اربع عيال .. شقيانة و طافحة الدم عشان اربيهم .. أنا ما اعرفش حاجة زى دي .. دي أول مرة ازورهم و الله .. ثم اختنق الكلام بين شفتيها و انهارت تماما ...
و فجأة وقفت السيدة التي بجوارها في القفص لتقطع ئلك الحوار , بطريقة لفتت أنظار كل من بالقاعة :
_ أنا عاوزة اتكلم يا سعادة البيه
_ ما انتي اتكلمتي قبل كده ... عايزة تقولي إيه تاني ؟
_ مشيرة إلى روحية .... الست دي مفيش بيننا و بينها أى صلة
_ أمال ازاى كانت بتزوركم ف البيت ؟
_ أبدا يا باشا .. دي كانت أول مرة تيجي لنا فيها ( ثم حكت قصة التعارف في المستشفى و دعوتها لها لزيارتها بعد الخروج )
_ يعني هى دي كل معرفتك بيها ؟
_ أى و الله العظيم يا سعادة البيه
_ الحكم بعد المداولة .. رفعت الجلسة
تغادر هيئة المحكمة .. ثم تعود بعد استراحة قليلة
تحتبس الأنفاس إنتظارا للنطق بالأحكام :
جكمت المحكمة حضوريا على روحية خليل العطار بالبراءة
إنطلقت الزغاريد تدوي في قاعة المحكمة , و ارتسمت علامات البشاشة و الإرتياح على كل الحضور .. بمن فيهم اللائي كن معها داخل القفص
و بسرعة ىهرول الزوج و الأولاد إلى باب المحكمة .. إنتظارا لخروج روحية
و ما أن تطل من الباب .. حتى يرتمي الزوج في أحضانها و هو يبكي بصوت مبحوح : سامحيني يا روحية .. أنا ظلمتك كتير .. سامحيني
تنظر إليه و الدموع تنهمر من عينيها : و الله مسامحاك من كل قلبي ... ثم تمسك يده برفق و تقبلها ..
و تخرج روحية من باب المحكمة , تتأبط ذراع زوجها المريض و معهما الأولاد .. متجهين مرة أخرى .. حيث بيتهم الصغير
ليكملوا معا ........ مشوار الحياة .












إصابة 5 أشخاص في انقلاب ميكروباص على الصحراوي الغربي بالفيوم
قرار جديد من المحكمة في أولى جلسات محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة...
نزاع على الأرض يتحول إلى اعتداء بالعصي.. الداخلية تضبط الأطراف بالشرقية
مصرع 4 أشخاص صعقا بالكهرباء في مزرعة بقنا
توقيع اتفاقية مصرية إيطالية لإنتاج الغاز الحيوي ودعم الطاقة النظيفة
اسعار الذهب اليوم خارج مصر
أسعار الدولار أمام الجنيه اليوم الاثنين في مصر
أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025