حكايات مصيرية
الكاتب الصحفي الحسيني عبدالله يكتب : حلم يوليو
الجارديان المصريةقبل اثنان سبعون عاما وفي يوم 23يوليو1952 تحقق حلم الشعب المصري في انهاء حقبة الاحتلال الانجليزي التي دامت ما يقرب من سبعون عاما بعدما نجح الجيش المصري في القيام بثورة يوليو المجيدة بفضل الضباط الاحرار التي قادهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في ظل ظروف عالمية تعج بالتخبط بعد انتهاء حربة عالمية ثانية راح ضحايتها ما بين 62 الي 78 مليون ما بين قتيل وجريح ومشرد وهو ما جعل الياس يدوب في قلوب البشر خاصة في الدول الافريقية والهند وغيرها من الدول التي عاشت بين انكسار المنهزم في الحرب ونشوة المنتصر الذي اعتبر النصر نوعا من احكام السيطرة علي الدول الفقيرة في العالم الثالث ثم تاتي ثورة يوليو لتزرع الحلم في قلوب الناس ويبدء الحلم بالتحرير والتعليم وبناء دول قوية قادرة علي مواجهة الحياة .
وقدنجح تنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه وقاده عدد من رجال القوات المسلحة المخلصين ضد حكم الملك فاروق، ثم تحول بعد ذلك تدريجيا إلى ثورة شاملة فى كل المجالات.ولأنها ثورة أحدثت تغييرا جوهريا فى تاريخ مصر والمنطقة، فقد تركت التجربة آثارها العميقة على مصر، والمنطقة العربية والعالم الثالث والعالم بأسره. من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية
وكأنه حلم جميل لطالما حلمت بها الشعوب المحتلة تمثل في
مبادئ الثورة التي جاءت لاستكمال مشروع وطنى يحلم باستقلال مصر، ظل يبحث عن نفسه منذ بدايات القرن التاسع عشر مع خروج الحملة الفرنسية من مصر عام «1801»، وبالرغم من الموجات الثورية الهائلة التى شهدها هذا المشروع الوطنى، بدءا من ثورة الجيش والشعب التى قادها أحمد عرابى عام 1882، ثم ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، وبينهما موجة النضال الوطنى، الذى قاده مصطفى كامل ثم محمد فريد، إلا أن ثورة 23 يوليو 1952 وزعيمها جمال عبدالناصر كانت هى التتويج الثورى الأعمق والأنضج لهذا المشروع الوطنى، وذلك بما أحدثته من تغييرات جوهرية داخلية وخارجية.كان صلب التغييرات الداخلية وجوهرها هو الانحياز للفقراء، بتوسيع رقعة المجالات الإنتاجية، التى تعود عليهم بالنفع، وكانت حزمة السياسات الداخلية التى قام عليها مشروع الثورة وزعيمها الانحياز للفقراء ، بدءا من مجانية التعليم ومرورًا ببناء المصانع التى زادت على الألف مصنع، وقوانين الإصلاح الزراعى، وتعيين الخريجين، وحتى النهضة الثقافية التى انطلقت وقتئذ فى مجالات الإبداع المختلفة، كان يعنيها فى المقام الأول هذا الإنسان الذى يعيش فى الكفور والنجوع ولم تصل إليه الثقافة من قبل كسلعة تبنى وعيه وتنميه.أدت هذه السياسات إلى إنشاء طبقة وسطى لم تكن موجودة من قبل، وأصبحت قوية بفعل تزايدها، وحملت فى يديها مشاعل التنوير والنهضة، بعد أن عاشت مصر عبر تاريخها الحديث بطبقتين، طبقة تحكم وتمتلك الثروة، وطبقة محكومة ولا تملك، وتحصل على الفتات وكأن هذا هو قدرها المكتوب عليها.تفاعل مشروع عبدالناصر الداخلى مع مشروعه الخارجى، الذى مضى طبقا لدوائر حددها هو فى «فلسفة الثورة»، وجميعها تنطلق من ضرورات العوامل التى تؤدى إلى حماية الأمن القومى المصرى، وكانت الدائرة العربية هى الأولى فى ذلك، ولهذا مد «عبدالناصر» يد العون بكل أشكاله إلى كل حركات التحرر العربية، التى كانت تناضل ضد الاستعمار من أجل الاستقلال، وطوال خمسينيات وستينيات القرن الماضى لم توجد دولة عربية واحدة ناضلت ضد الاستعمار ثم حصلت على استقلالها إلا وكانت مدعومة مصريًا وبكل قوة.ولم يكن هذا الأمر نهجًا يطمح به عبدالناصر أن يكون «إمبراطور» كما روج كارهوه من أمريكا وإسرائيل ، وإنما كان ترجمة فعلية لحقائق الجغرافيا والتاريخ، الماثلة أمامنا منذ القدم وحتى الآن، ومن الدائرة العربية إلى الدائرة الإفريقية مضت سياسات عبدالناصر استجابة أيضًا لضرورات الأمن القومى المصرى، فإفريقيا هى الظهير الأمنى لمصر، ومنها تأتى مياه النيل، ولهذا مد يد العون لكل حركات التحرر الإفريقية، التى ناضلت ضد الاستعمار وكان لهذه الحركات مكاتب لها فى القاهرة وإذاعات سرية، وقادة يعيشون فيها يديرون كل منها نضالهم، وطلاب يدرسون فى جامعاتها وأهمها «جامعة الأزهر»، ولما توج كل ذلك بحصول إفريقيا على استقلالها كاملة، ردت «القارة» بالوفاء للزعيم الذى قاد نضالها، فأطلقوا اسمه على جامعات وشوارع وميادين فيها.على مستوى التطبيق العملى كان سياسات ابن عصره، بكل ما طرحه هذا العصر من سمات فكرية وسياسية وثقافية واجتماعيةوتكنولوجية.