شيماء النقباسي تكتب : التعليم ما قبل الجامعي في مصر ..تحديات وحلول


التعليم هو الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الطفل، وفي مصر، كما في كثير من الدول، يعتبر التعليم ما قبل الجامعي المرحلة الأولى التي تحدد اتجاهات الطلاب وتوجهاتهم المستقبلية. لكن في السنوات الأخيرة، أصبح نظام التعليم في مصر محط أنظار العديد من الأفراد، خاصة أولياء الأمور، بسبب التحديات التي يواجهها الأبناء والأسر. فما هي أبرز مشاكل التعليم الحالي، وكيف يمكن للأهل التعامل معها؟
نظام التعليم: معضلة التحديث والضغط الأكاديمي
منذ عام 2018، بدأت مصر في تطبيق نظام "التعليم الجديد"، والذي يهدف إلى تغيير منهجية التعليم وتطوير طريقة تقييم الطلاب. كان من المفترض أن يساعد هذا النظام على تحسين مستوى التعليم وتخفيف الضغط على الطلاب، لكنه في الواقع زاد من تعقيد الأمور. هذا النظام الجديد يعتمد على "التعليم التفاعلي" الذي يُشجع على المشاركة والتفاعل، وكذلك التركيز على تطوير المهارات الشخصية والعملية.
ومع ذلك، يواجه أولياء الأمور تحديات كبيرة في متابعة هذا النظام، إذ يتطلب الأمر من الطلاب المزيد من الوقت والمجهود لفهم أساليب التعليم الحديثة، مما يزيد من الضغط الأكاديمي عليهم. كما أن العديد من الأسر في المناطق الريفية أو الفقيرة تعاني من صعوبة في توافر الوسائل التعليمية الحديثة، مثل التكنولوجيا الحديثة والأدوات الرقمية، مما يجعل من الصعب عليهم مواكبة هذا التغيير.
الضغوط المالية: التعليم الخاص والتعليم الحكومي
لا تقتصر التحديات على الأساليب التعليمية، بل تمتد إلى تكاليف التعليم. في مصر، يشهد التعليم الخاص ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار، مما يجعل من الصعب على الأسر متوسطة الدخل توفير تعليم جيد لأبنائهم. يختار العديد من أولياء الأمور إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة أملاً في الحصول على تعليم متميز، لكن هذا الاختيار غالبًا ما يضعهم تحت ضغط مالي شديد، مع الحاجة إلى دفع رسوم دراسية مرتفعة وتكاليف إضافية من دروس خصوصية ومواد تعليمية.
أما التعليم الحكومي، رغم محاولات الدولة تحسينه، إلا أن مستوى الخدمات التعليمية في بعض المدارس ما زال يحتاج إلى الكثير من التطوير. فالتعليم الحكومي يواجه العديد من المشاكل مثل الاكتظاظ في الفصول الدراسية، قلة المواد التعليمية الحديثة، وضعف تدريب المعلمين، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم.
التكنولوجيا: وسيلة تعليم أم عائق؟
التكنولوجيا كانت وما زالت سلاحًا ذو حدين في النظام التعليمي المصري. فمن جهة، قدمت وزارة التربية والتعليم العديد من المبادرات لتطوير التعليم من خلال استخدام الأجهزة اللوحية في المدارس، وعقد الدروس عبر الإنترنت، وتطبيق أساليب التعليم عن بُعد في السنوات الأخيرة، خاصة مع جائحة كورونا. هذه المبادرات كان من المفترض أن تعزز مستوى التعليم في مصر، ولكن في الواقع، لم يكن جميع الطلاب قادرين على الوصول إلى هذه الأدوات بشكل متساوٍ.
الأسر التي تعيش في المناطق النائية أو التي تفتقر إلى الإمكانيات المالية تجد نفسها عاجزة عن تزويد أطفالها بالأجهزة اللوحية أو الإنترنت الجيد، مما يخلق فجوة كبيرة في فرص التعليم بين الطلاب من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة. هذه الفجوة تؤدي إلى تراجع فرص التعليم الجيد للعديد من الأطفال، ما يجعل التعليم في مصر أكثر تميزًا لمن يملك القدرة المالية.
التحديات الاجتماعية والثقافية: التربية والتعليم في ظل التغيرات المجتمعية
إلى جانب التحديات الاقتصادية، تواجه الأسر في مصر تحديات اجتماعية ثقافية كبيرة تتعلق بالتعليم. فالكثير من أولياء الأمور في بعض المناطق ما زالوا يعتقدون أن التعليم الأكاديمي التقليدي هو الحل الوحيد لضمان مستقبل مشرق لأبنائهم، ما يؤدي إلى تجاهل تعليم المهارات المهنية والفنية. ومع تزايد الحاجة إلى الكوادر الفنية في سوق العمل، يواجه الأطفال الذين لا يتبعون هذا الاتجاه الأكاديمي التقليدي صعوبة في الحصول على فرص تعليمية حقيقية في هذا المجال.
في الوقت نفسه، يعاني الكثير من أولياء الأمور من قلة الوعي بضرورة دمج مهارات الحياة والقدرات الشخصية ضمن العملية التعليمية. لذا، فإن إصلاح النظام التعليمي في مصر يتطلب تغييرًا ثقافيًا ووعيًا مجتمعيًا حول أهمية التوازن بين التعليم الأكاديمي والتعليم المهني.
التعليم في مصر بحاجة إلى رؤية جديدة
نظام التعليم ما قبل الجامعي في مصر يواجه العديد من التحديات التي تتراوح بين الضغوط الأكاديمية، التكاليف المرتفعة، وقلة الموارد. لكن الحل يكمن في تبني رؤية جديدة للتعليم تُوازن بين تقديم تعليم أكاديمي متميز وتوفير فرص للطلاب لتعلم مهارات حياتية وإبداعية. كما يجب تحسين جودة التعليم الحكومي، وتوسيع فرص الوصول إلى التكنولوجيا، وتوفير دعم أكبر للأسر ذات الدخل المحدود.
إذا استطاعت الدولة ووزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص التعاون لتحقيق هذه الأهداف، فإننا قد نتمكن من خلق بيئة تعليمية تُسهم في بناء جيل جديد قادر على التفاعل مع تحديات المستقبل بثقة وابتكار.