الكاتبة السورية لمى بدران تكتب : حالة التعايش السوري تحت ظل الحكومة الانتقالية.


لا أذكر أبداً أني قد سألت أحدهم أو إحداهن من أين أنتَ أو أنتِ، كانت تمرّ سنوات وسنوات حتى تأتي تلك الصدفة التي قد تكشف لي من أي محافظة سوريّة هذا الشخص أو ذاك، رغم الحرب الطويلة التي أنهكتنا، ومظاهر الموت التي غيّبت الكثير من شعورنا بالحياة، إلّا أننا كنّا في حالة تعايش واضحة، فذاكرتي السمعية والبصرية محتفظة بصورة المسجد الذي يقابله كنيسة، كنت أسمعُ أصوات المؤذّنين من جهة وأجراس الكنائس من جهة أخرى، الشعب السوري يتشارك أعياده ومناسباته الدينية ويتبادل التهاني والتبريكات على تنوّعها، لكن يا تُرى ما الذي يجري اليوم؟ بكل تأكيد أصبح الحلم حقيقة وقد وصل التحرير إلينا وأسقط النظام في البلاد، ليشكّل الأحرار حكومة انتقالية جديدة في سورية تبذل جهودها على الأصعدة كافة كي تنال الإعتراف الدولي بها، ومن الواضح أنهم يدركون تماماً الأوجاع السورية ومتطلبات الشعب ويتعاملون معها بجدّية و حذر شديدين.
ما يجري أن هناك جملة بيانات وتصريحات من القيادة العامة التي تستلم زمام الأمور اليوم تشدّد على مسألة حماية الأقليّات والسّلْم الأهلي وضرورة التّعايش بين جميع الأطياف السورية، مع أهميّة السيطرة على الانفلاتات الأمنيّة والاستفزازات الطّائفية والحالات الفرديّة التي لا تخلو منها أي حرب، واستدراكاً للوقت في هذه المرحلة لا بدّ أن نلاحظ هنا نقطة غاية في الأهميّة وهي أن تأكيد المؤكّد ليس الأهم، فمن المؤكّد أن التّعايش السوري موجود أساساً عند الشعب ولا أعتقد أننا نستطيع أن ننكره، الأهم في هذه المرحلة هو التعامل مع الحالات النّاجمة عن صراع القوى عبر سنوات الحرب الطويلة، من انتقامات وتارات وفورات دم وهي حالات لا تندرج في الخانة الشعبية أي بين النّاس العاديين الذين لا ذنب لهم في الحرب، لكنّها تؤثّر نفسياً عليهم وترفع وتيرة القلق عندهم في فترة للمجهول فيها عناوين كثيرة، لذلك إن امتصاص الصدمات وتجاوز الانتقامات وإفساح المجال للتسامح والبدايات الجديدة على أرض تجمع كل من فيها بعهد جديد يمحي آثار الظلم والقهر والطغيان هو ما يمكنه أن يساهم بشكل سريع على إنقاذنا من مستنقع الوحشية الرّهيب، لماذا لا ننسى ونبدأ من جديد كُرمى عينيّ الوطن؟ ما المانع من أن نُسطّر أنفسنا في التاريخ بسماحتنا باستيعابنا دون أن نكون فرجةً للمجتمع الدولي الذي منه من يشمت بنا ومنه من ينتظر دوره القادم ومنه من بقي حتى اللحظة غارقاً بحروبه الأهلية التي لا تشبهنا أبداً؟ التعايش السوريّ كان وسيبقى على هذه الأرض المباركة ونأمل أن يصبح أكثر متانة وقوة في ظل الحكومة الانتقالية الجديدة.