الثلاثاء 18 فبراير 2025 08:20 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

السيناريست عماد النشار يكتب في ذكرى وفاة جوهر الصقلي: القاهرة بين أمجاد الماضي وتحديات الحاضر

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

في مثل هذا اليوم، 28 يناير، منذ أكثر من ألف عام، رحل جوهر الصقلي، الرجل الذي شيد القاهرة، تلك الجوهرة التي كانت في عصره رمزًا للتفوق الحضاري، ومنارة علمية يشع ضوءها على العالم الإسلامي. توفي جوهر الصقلي في عام 972م، لكن إرثه ما زال حيًا في القاهرة، المدينة التي أسسها وأصبحت في عهده عاصمة العلم والحضارة. على يديه، تحولت الصحراء إلى مدينة تنبض بالحياة، تحمل بين شوارعها وأزقتها روح الفكر والعلم.

كان جوهر الصقلي يعلم أن بناء القاهرة ليس مجرد تشييد أبنية، بل هو صناعة أمة، فأسس فيها الجامع الأزهر، الذي سرعان ما أصبح منارة للعلم. كان العلماء يتوافدون من كل أنحاء العالم الإسلامي للدراسة فيه، وارتفع شأن القاهرة لتصبح أعظم مدينة إسلامية في ذلك الزمان، مدينة تزينها الكتب وتضيء سماءها العلوم والفكر.

لكن اليوم، وفي ذكرى وفاته، نجد أن القاهرة قد تغيرت تمامًا. الزحام و الضوضاء يعمّان شوارعها، ولا شيء يذكّرنا بالعظمة التي كانت عليها. أسوارها الفاطمية التي كانت تحميها من الأخطار صارت أطلالًا مهملة، والشوارع التي كانت تمتلئ بحركة العلماء والمفكرين أصبحت غارقة في العشوائية العمرانية. الجامع الأزهر، الذي كان ينبض بالحياة والعلم، يواجه اليوم تحديات العصر، ورغم محاولات الحفاظ عليه، فإن المدينة من حوله قد تغيرت تمامًا.
القاهرة التي كانت أيقونة للحضارة أصبحت اليوم رمزًا للمعاناة. الأنقاض تزداد، والبناء العشوائي يلتهم معالمها التاريخية، فتختفي تدريجيًا روعة ماضيها. الزحام و التلوث باتا يتسللان إلى شرايينها، بينما أزقتها العتيقة التي كانت تمتلئ بالعلماء والمثقفين أصبحت اليوم غارقة في الفوضى.

لكن، ورغم كل ذلك، القاهرة ما زالت تحتفظ ببعض من روحها. الأزهر ما زال يصدح من خلال جدرانه بشرف العلوم، ويظل مقصدًا للعلماء. هذه المدينة التي أسسها جوهر الصقلي لم تَسقط بعد، لكن الزمن قد سرق الكثير من بهائها. في ذكرى وفاته، نتذكر المدينة التي كانت قلب العالم، وكيف تحول الحال إلى ما هو عليه الآن.

نحن بحاجة إلى أن نعيد القاهرة إلى مكانتها، لنحافظ على مجدها، ونستلهم من الجامع الأزهر درسًا في الصمود، كما صمدت القاهرة في وجه الأزمات على مر العصور. اليوم، نتذكر جوهر الصقلي، الذي بنى هذه المدينة، ولا نملك إلا أن نتساءل: هل سنتمكن من إحيائها من جديد؟