الأحد 4 مايو 2025 03:34 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

محمد سعد عبد اللطيف يكتب : حين يعتلي الذباب ظهر الجياد ,,!!

الكاتب الكبير محمد سعد عبد اللطيف
الكاتب الكبير محمد سعد عبد اللطيف

في زمن الارتباك، حين تنقلب القيم على رؤوسها، وتُرفع الأقدام على الأعناق، يصبح الحليم حيران، ويضيع صوت الحكمة بين ضجيج الطبول الجوفاء. كأنما نحن نعيش زمنًا يصدق فيه قول الشاعر: "قد يعتلي ظهر الجياد ذباب ... ويقود أسراب الصقور غراب" و"يسُدّ رجافٌ بمحفل قومه ... وعليه من حلل الثياب نفاق"، وهو بيت شعري لا يُنسب لزمن معين، بل يصلح لكل عصر تختلّ فيه موازين العدالة والحق، وتُسحب فيه الأضواء من الفاعلين الحقيقيين لتُسلّط على المتسلقين. لقد أصبحت الهيبة سلعة، والكرامة بضاعة كاسدة، والعلم عبئًا يُزاح من على الأكتاف، فيما يُكرَّم الجهل باسم الواقعية، ويُحتفى بالصراخ كأنه صوت الجماهير، في حين يُكمم صوت العقل لأنه "ينغص علينا لحظتنا". إنه عصر الرعاع، لا بمعناه الطبقي، بل بثقافة الانحدار. عصر تُصاغ فيه المفاهيم على يد مدّعي المعرفة، وتُسطّر فيه المعاجم بلغة الشعارات الزائفة، ويتصدر المشهد من لا حجة لهم إلا الصراخ، ومن لا سلاح لهم إلا التنمر والابتذال، ويتراجع العقل أمام موجة من الرداءة المتراكمة، حيث تتحول العشوائية إلى قاعدة، ويُنظر إلى الوقار باعتباره ضعفًا. نعيش عصرًا تُقلب فيه الهرمونات على المبادئ، وتُستبدل الأحلام بالبيانات، وتُقاس الحكمة بعدد المتابعين لا بعمق الفكرة. كم من "رجاف" أصبح متحدثًا باسم قومه، لا لأنه الأجدر، بل لأنه الأعلى صوتًا، أو لأنه امتلك نفاق الثياب، ذاك النفاق الذي يُلبس الرداءة هيئة المجد، ويغطي العورات بحلل الخداع. هل باتت المقامات تُنال بالصراخ..؟ وهل أضحى المجد مرهونًا بخفة الظل وإثارة الجدل لا بثقل الكلمة وصدق الموقف...؟ "وتري الأسافل قد تعالَ مجدُهم ... والحر فردٌ ما له أصحابُه"، ذلك البيت يُحاكي بمرارة مشهدًا نعيشه في تفاصيلنا اليومية؛ حيث تُعلى شأن التفاهة، ويُهمش أصحاب الفكر والضمير، فالحرّ، ذلك الذي لا يبيع رأيه ولا يساوم على قناعاته، غالبًا ما يُترك وحيدًا، يُتهم بالتشدد أو بالمثالية، لأنه لا يحني رأسه لعاصفة الزيف. في مثل هذه الأزمنة، لا يكون الحل في الهروب، بل في المواجهة، في رفع الصوت – لا بالصراخ – بل بالعقل، في زرع القيم ولو في أرض سبخة، في إعادة تعريف المجد، لا على مقاس الراهن، بل على مقياس الإنسان الحر. الفكرة إذًا ليست في سقوط الذباب على الجياد، فهذا يحدث، ولكن الكارثة حين نظن أن الذباب قادر على الركض، وأن الغربان تصلح لقيادة السرب، وأن الرداء الفاخر يغني عن جوهر الروح. فلنكتب، لنشهد، لنتذكر أن الكتابة في زمن النفاق، فعل مقاومة.,,!!


#محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.saad
[email protected]