السبت 23 أغسطس 2025 12:46 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د.مندور عبدالسلام فتح الله يكتب : الشراكة المجتمعية في التعليم المصري..خطة طريق بأرقام ملموسة

د.مندور عبدالسلام فتح الله
د.مندور عبدالسلام فتح الله

في ظل وجود أكثر من24 مليون طالب في المدارس المصرية، وتكدس الفصول بما يصل إلى 50 طالبًا في الفصل الواحد، يصبح تطوير التعليم مهمةً مستحيلةً دون تضافر جهود المجتمع بكل مكوناته. فالتجارب المحلية والدولية تؤكد أن الشراكة المجتمعية ليست ترفًا، بل خطة إنقاذ تستند إلى إشراك الأهالي، القطاع الخاص، والمؤسسات المدنية في صناعة القرار التعليمي وتنفيذه. ففي مصر، نجحت مدارس "التعليم المجتمعي" منذ تسعينيات القرن الماضي في إلحاق آلاف الأطفال بالمناطق النائية بالتعليم، بدعم من اليونيسف والمجتمعات المحلية، حيث وصل عدد الأطفال ذوي الإعاقة المُدمجين في الفصول إلى 1943 طفلًا، مع تدريب 1765 معلمًا على أساليب التعليم الشامل. هذه النجاحات المحدودة تثبت أن التعاون المنظم قادر على صنع الفرق، لكنها تحتاج إلى خطة طموحة تبدأ بتمكين أولياء الأمور عبر إنشاء مجالس فعالة في كل مدرسة، على غرار نموذج كينيا الذي خفض نسبة الأمية من 32% إلى 18% عبر إشراك الأسر في أنشطة القراءة اليومية، وتخصيص 30 دقيقة للقراءة المشتركة بين المدرسة والمنزل.
لتحقيق ذلك، يجب أن تتبنى مصر خطةً مرحليةً تبدأ بإنشاء صندوق وطني للتعليم بالشراكة مع القطاع الخاص، حيث تقدم الشركات الدعم المالي مقابل حوافز ضريبية، كما في تجربة "التعليم 2.0" التي نفذتها اليونيسف، والتي شملت تدريب 100 ألف معلم على استخدام التكنولوجيا في التعليم. وفي نفس السياق، يمكن الاستفادة من النموذج المغربي في تبني الكتاب المدرسي الرقمي، خاصةً مع وجود 20 ألف فصل مجهز تقنيًّا في مصر عبر شراكات مع شركات مثل "بروميثيان"، وهو ما يتطلب تعميم هذه التجربة على 57 ألف مدرسة حكومية، مع توفير إنترنت فائق السرعة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى 30% من البنية التحتية التكنولوجية الأساسية.
الدرس الأهم من التجارب الدولية هو أن الشراكة المجتمعية تحتاج إلى نظام تقييم مستمر، كالذي طبقته فنلندا عبر تقييمات تركز على المهارات الحياتية بدلًا من الحفظ، أو كينيا التي نشرت تقاريرَ فصليةً عن تقدم الطلاب بمشاركة المجتمع. في مصر، يمكن إنشاء منصة إلكترونية تُعلن فيها كل مدرسة عن احتياجاتها، ويُشارك المواطنون في تمويلها أو دعمها بخبراتهم، كما حدث في مبادرة "مدرستي" التي جمعت 50 مليون جنيه من تبرعات الأهالي لتطوير المدارس، وفيما يلي اطار عمل لتنفيذ فكرة الشراكة علي عدة خطوات :
الخطوة الأولى: إنشاء "الهيئة الوطنية للشراكة التعليمية" تضم الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، مع تخصيص 20% من ميزانية التعليم (البالغة 424 مليار جنيه) لتدريب 100 ألف معلم سنويًّا على مهارات التفكير النقدي والتكنولوجيا، بالشراكة مع منظمات كاليونيسف.الخطوة الثانية: إطلاق مشروعات سريعة المفعول، مثل "مدارس الأمل" في 10 محافظات نائية (بشراكة مؤسسة "مصر الخير") لتقليل التسرب إلى 5%، وتجهيز 20 ألف فصل رقمي (كدعم شركة "بروميثيان")، وتعزيز دور أولياء الأمور عبر "مجالس فعالة" تُنظم ورش قراءة أسبوعية – كما في كينيا التي خفضت الأمية من 32% إلى 18% عبر 30 دقيقة قراءة يومية.الخطوة الثالثة: ربط التمويل بالنتائج، عبر "مرصد وطني لجودة التعليم" يصدر تقارير ربع سنوية، ويمنح مدارسًا مكافآت مالية إذا خفضت الكثافة إلى 30 طالبًا/فصل، ويخصم 10% من دعم الشركات غير الملتزمة.الخطوة الرابعة: تعديل قوانين تلزم الشركات بتخصيص 2% من أرباحها للتعليم، وإطلاق منصة "مدرستي" الإلكترونية (التي جمعت سابقًا 50 مليون جنيه تبرعات) لتوجيه الدعم للمدارس الأكثر احتياجًا.النتيجة المتوقعة: خلال 5 سنوات، يمكن تعميم النماذج الناجحة على 57 ألف مدرسة، ودمج التكنولوجيا في 100% من المناهج بحلول 2030، كما فعلت كوريا. فمصر تمتلك كل المقومات: مليون معلم، و23 مليون طالب، وتجارب ناجحة تحتاج فقط إلى إرادة سياسية وتنسيق مجتمعي. التعليم مسؤولية الجميع، وبدون شراكة حقيقية، سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة