الأربعاء 14 مايو 2025 06:40 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الباحثة رانيا عاطف تكتب: ما أسرع مرورك أيتها الأيام!!!

الباحثة رانيا عاطف
الباحثة رانيا عاطف

ليست مجرد جملة نلقيها في لحظات التأمل، بل هي صرخة تخرج من أعماق الوعي الإنساني حين يلتفت إلى الزمن وقد انساب من بين يديه كالرمل، دون أن يتمكن من الإمساك بلحظة واحدة منه.

الزمن،،،، ذلك الزائر الصامت، الذي لا يطرق الأبواب ولا ينتظر الإذن بالدخول. يمرّ دون أن يشعر به أحد، حتى إذا ما التفتنا إلى الوراء، وجدناه قد غيّر كل شيء.

لا تأتي الدهشة من مرور الزمن، فكلنا نعلم أنه يمر، بل من سرعته حين نقيسه بما عشناه. كيف يمكن لطفولة استمرت عقدًا من الزمن أن تختزل في ذكرى؟ ولماذا تبدو أيام السعادة قصيرة وقليلة، بينما تطول ساعات الانتظار والقلق؟؟؟
يبدو أن الزمن لا يُقاس بالدقائق والساعات فقط، بل أيضًا يُقاس بشدة الحضور أو الغياب، بالامتلاء أو الفراغ.

كأننا نعيش داخل الزمن دون أن نفهمه، مثل السمكة التي لا تدرك معنى الماء إلا إذا خرجت منه.

وفي هذا السياق، يصبح الوعي بالزمن أحد أشكال المعاناة الإنسانية، إذ لا يمكن للإنسان أن يتحرر من الشعور بأن كل لحظة يعيشها تُفقده لحظة أخرى، وأن كل خطوة إلى الأمام هي وداع لما مضى. هنا تكمن المأساة: أننا لا نستطيع أن نوقف الزمن، ولا أن نعود إليه، ولا حتى أن نعيشه مرتين.

ربما يكون التحدي الحقيقي هو أن نصنع من كل لحظة معنى، لا أن نحسب عدد اللحظات التي تمر. أن نعيش الزمن لا كمجرد شاهدين عليه، بل كمشاركين في صياغته. فهناك من يخلّد دقيقة واحدة بفعل أو شعور لا يُنسى، بينما تمضي أعوامٌ كاملة على آخرين لا يتركون فيها أثرًا يُذكر. ليست قيمة الزمن فيما يقدّمه لنا، بل فيما نصنعه نحن به.

ولعل أعظم ما يمكن للوعي بالزمن أن يمنحنا إياه، هو التقدير العميق للحاضر. أن نكون حاضرين حقًا في ما نفعله، لا أن نعيش على أطلال الماضي أو في وهم المستقبل. فالحياة لا تُختزل في البدايات ولا في النهايات، بل في التفاصيل الصغيرة التي تمرّ خلسة، تلك التي نغفل عنها أثناء انشغالنا بتدوين الساعات، بينما هي التي تصنع الحياة الحقيقية.

ربما لا يكمن الحل في التذمر من سرعة الزمن، بل في التخفّف من وهم السيطرة عليه. فالأيام ستستمر في المرور، مسرعة أو بطيئة، بحسب نظرتنا نحن.

ولكن، هل نحن من نمتلك الزمن، أم هو من يمتلكنا؟
هل نحن نعيش اللحظة، أم نؤجل الحياة لما بعد؟
هل نحيا نحن الزمن كما يجب أن نحياه، أم ننشغل بحسابه فقط؟
أين تكمن القيمة الحقيقية للزمن؟ هل في جوهره أم في أثره فينا؟