خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( التحول السياسي في العالم العربي ..)
يقف العالم العربي اليوم على مفترق طرق سياسي حاسم ، تحفّه تحولات ديناميكية تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة ، في ظل توازنات جديدة للقوى الإقليمية و الدولية .. غير أن هذا المشهد الجديد لا يخلو من تحديات كبيرة ، إذ لا تزال جروح الصراعات مدى عقود عميقة في بنية الدول و المجتمعات ، مما يجعل من تحقيق الاستقرار و السلام هدفًا بعيد المنال في ظل التدخلات الإقليمية و الدولية ، و التوترات الطائفية ، والصراعات الداخلية التي تعوق بناء مستقبل مزدهر و مستقر ..
لقد تركت الحروب و النزاعات المسلحة آثارًا لا تُمحى على النسيج السياسي و الاجتماعي في العديد من الدول العربية .. تسببت هذه الصراعات بهشاشة المؤسسات الحكومية ، و انهيار البنى التحتية ، و تفاقم الأزمات الإنسانية ، بحيث باتت مشاهد الدمار و اللجوء والتشريد جزءًا من الواقع اليومي لملايين المواطنين .. هذه المشاهد ليست مجرد بيانات إحصائية أو عناوين ﻭ مانشتات صحافية ، بل هي حياة ملايين البشر الذين فقدوا منازلهم و أحبابهم و أملهم في مستقبل أفضل .. الحديث عن الحرب ، إذن ، هو أكثر من سرد مأسوي ، إنه تحذير سياسي عاجل يدعو إلى ضرورة وقف دوامة العنف ، و استعادة السيادة الوطنية ، و حماية الكرامة الإنسانية التي تضررت بشدة نتيجة للصراعات المستمرة ..
في مواجهة هذه الأوضاع المعقدة ، يسعى العالم العربي الجديد إلى رسم معالم سياسة متجددة ترتكز على بناء مؤسسات قوية و شفافة و ديموقراطية ، قادرة على إدارة التنوع الاجتماعي و الطائفي بدلاً من تعميق الانقسامات .. فالأجيال الجديدة التي نشأت في ظل العولمة و التقنيات الرقمية ، لم تعد تقبل أن تكون مجرد متلقية لسياسات تقليدية فاشلة ، بل تطالب بحكم رشيد و فرص اقتصادية حقيقية و مشاركة سياسية فعالة ، مما يفرض على الأنظمة السياسية التقليدية إعادة النظر في أدوارها ، و إجراء تحولات في موازين القوى بما يتناسب مع هذه المطالب .. من بين أبرز التحديات التي تواجه هذا العالم الجديد ، تعقيدات النظام الإقليمي و التدخلات الأجنبية التي تلعب دورًا في تأجيج الصراعات أو فرض أجندات سياسية تخدم مصالح ضيقة ، إضافة إلى الصراعات الطائفية التي تزداد استغلالًا لتكريس الانقسامات الداخلية .. كما أن الفوارق الاقتصادية و الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في إشعال نار الاحتجاجات و المطالب الشعبية ، إذ أن البطالة و الفقر يفرضان ضغطًا إضافيًا على المجتمعات و تحديًا على الحكومات ..
في هذا السياق ، يلعب بعض الدول العربية الفاعلة مثل مصر ، و الإمارات ، و السعودية ، و قطر .. دورًا محوريًا في دعم استقرار المنطقة عبر جهود ديبلوماسية و اقتصادية ، و محاولة إعادة التوازن في العلاقات الإقليمية .. في المقابل ، تبقى دول مثل إيران و تركيا من القوى الإقليمية التي تسعى إلى توسيع نفوذها عبر دعم فصائل مختلفة في الصراعات الإقليمية ، ما يعقّد المشهد و يزيد من التوترات .. كذلك ، يبقى النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي أحد القضايا المركزية التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار المنطقة ، حيث تظل محاولات الحل السياسي هشة وسط استمرار التوترات .. على الصعيد الإقليمي ، تُعتبر الجامعة العربية و منظمة التعاون الإسلامي من أبرز المؤسسات التي تحاول جمع الدول العربية على منصة مشتركة للتشاور و حل النزاعات ، إلا أن محدودية صلاحياتها و غياب آليات تنفيذ فعالة يحدّان من تأثيرها الحقيقي .. أما الاتحاد الأوروبي ، فعلى رغم كونه شريكًا اقتصاديًا و سياسيًا مهمًا ، فإن سياساته في المنطقة تتأثر بمصالحه الاستراتيجية و الأمنية ، مما ينعكس أحيانًا على فعالية دعمه لعملية السلام والتنمية ..
و دوليًا ، فتلعب الأمم المتحدة دور الوسيط الأساسي في العديد من الصراعات العربية ، من خلال بعثات حفظ السلام و المفاوضات السياسية ، إضافة إلى عملها في المجال الإنساني .. لكن النجاح في تحقيق السلام الدائم يتطلب تعاونًا حقيقيًا بين القوى الكبرى ، و لاسيما منها الولايات المتحدة و روسيا ، اللتين تمتلكان تأثيرًا مباشرًا على مجريات الأحداث في المنطقة ، سواء عبْر دعم حكومات أو جماعات مسلحة .. برغم هذه التعقيدات ، فإن الإرادة السياسية الوطنية والإقليمية ، إلى جانب دعم المجتمع الدولي المسؤول ، فقد تفتح الباب أمام فرص حقيقية لتحقيق السلام و الاستقرار .. فهذه العملية معقدة ، و تتطلب حوارًا وطنيًا و إقليميًا جادًا ، و تنازلات سياسية كبيرة ، و إصلاحات مؤسسية حقيقية ، و إنهاء حالة الاستقطاب السياسي التي تعوق تحقيق المصالح الوطنية العليا .. و لا يمكن فصل البعد الإنساني عن الأبعاد السياسية عند الحديث عن تداعيات الحروب في المنطقة ، إذ أن فهم الأثر النفسي و الاجتماعي على المواطنين ، الذين عانوا من النزوح ، و الفقد ، و انهيار الأمان ، هو حجر الزاوية لصوغ سياسات تحترم حقوق الإنسان ، و تدعم العدالة ، و تعزز المصالحة الوطنية .. السياسة هنا ليست مجرد أداة لممارسة السلطة ، بل أمانة و مسؤولية عظيمة حيال شعوب عانت كثيرًا ، و يجب أن تُبنى على أسس من الشفافية ، و الإنصاف ، و الحوار ..
بينما نشهد هذا التحول السياسي في العالم العربي ، يجب أن نعي أن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق توافق وطني و إقليمي شامل يقود إلى سلام مستدام .. هذا السلام لا يعني غياب الحرب فحسب ، بل هو بناء مؤسسات قوية ، و تعزيز التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ، و احترام التنوع الثقافي و الديني ، و هو السبيل الوحيد لنزع فتيل الأزمات المتجددة التي تؤرق المنطقة ..
في هذا المشهد المعقد ، يوجه العالم العربي الجديد نداءً صادقًا إلى المجتمع الدولي أن يكون شريكًا فاعلًا يدعم سيادة الدول، ويشجع الحلول السياسية القائمة على الحوار و الاحترام المتبادل ، و يقف ضد كل أشكال التدخلات التي تهدد الاستقرار .. فمستقبل المنطقة لا يمكن أن يُكتب إلا بتضافر الجهود الوطنية و الإقليمية و الدولية من أجل عالم عربي مستقر ، مزدهر ، يسوده السلام و الكرامة لكل أبنائه ، بعيدًا عن صراعات أرهقت شعوبه لعقود طويلة .












هدير عبدالرازق تستغيث بمتابعيها: «فقدت شيئًا عزيزًا عليّ.. ساعدوني أرجعه»
القبض على صانعة محتوى لقيامها بنشر مقاطع فيديو خادشة للحياء بالجيزة
فحص أمني لفيديو يوثق لحظة تعدي سائق ميكروباص وآخر على مواطن بالسب...
تأجيل نظر محاكمة 56 متهما بخلية التجمع لجلسة 6 ديسمبر
أسعار الذهب اليوم الأربعاء فى محلات الصاغة
أسعار الذهب اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025
أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025
سعر الذهب في الصاغة اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025