الخميس 31 يوليو 2025 01:26 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسام الدين مسعد يكتب: على هامش” القومي” وسراب الإنتاج

 الكاتب الكبير حسأم الدين مسعد
الكاتب الكبير حسأم الدين مسعد

ما جدوى أن تُزرع البذور ثم لا تُروى؟ وما معنى أن تُفتح أبواب التكوين ثم تُغلق نوافذ التحقق؟
لا شك أن انتقال الورش الفنية المتخصصة من مركز العاصمة إلى تخوم الجغرافيا المصرية؛ بالدلتا والصعيد،ومدن القناة حدثٌ مهم، يحمل في طيّاته بعدًا ثقافيًا عادلًا،تتبناه إدارة المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الثامنة عشر، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات تتعلق بالمنهجية والجدوى، خصوصًا حين لا تكتمل هذه الورش بإنتاج مسرحي يُجسّد ما تدرّب عليه الشباب، ويمنحهم الحق في التجريب أمام جمهور حقيقي.
فهل يكفي التدريب دون إنتاج؟ وهل تنتصر هذه الورش،او الندوات المزمع عقدها فعلًا لفكرة فتح الفضاء العمومي، أم أنها تعيد إنتاج المركزية في صورة جديدة؟

يُعد انتقال الورش إلى المحافظات أكثر من مجرد خطوة فنية محمودة، بل يمكن اعتباره تحركًا ثقافيًا يحمل شحنة سياسية مضادة للتمركز الثقافي، فحين تذهب الورش إلى محافظات مصرية طالما عانت من التهميش الثقافي والمسرحي، فإنها تتبنى ضمنيًا أن "الحق في التكوين لا ينبغي أن يُختزل في القاهرة". وهو بمثابة خطاب مقاومة ناعم، يواجه احتكار العاصمة لسلطة المعرفة المسرحية،لكن ماهو الأثر الذي سيحصده شباب هذه المحافظات من ذلك ؟

أنه أثر مزدوج،يتمثل في منح شباب الأقاليم أدوات فنية ما كانوا ليحلموا بها لولا مجيء تلك الورش الي محافظاتهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تفتح أمامهم احتمالات وجود فني مختلف، يُرسّخ فكرة أن الموهبة ليست حكرًا على المركز، وأن الفعل المسرحي يمكن أن يُصنع على الأطراف أيضًا. ولكن، هل يكفي ذلك دون نتاج حقيقي يبرز اثر تلقي هذه الورش علي الشباب ؟
اعتقد أن تسجيل وتوثيق تلك الورش من خلال التصوير الفوتوغرافي،او الفيديوهات أمر يهدف إلي الترويج الدعائي،لا إلى بلوغ الأثر الحقيقي من خلال نتاج مسرحي يعرض في حفل ختام الدورة الثامنة عشر،او في حفل خاص تنظمه إدارة المهرجان،لاسيما أن الورشة لا تكتفي بالتدريب، بل تشكّل منصة حوار، وساحة لقاء، ومتنفسًا فكريًا يعيد للمسرح بعضًا من طابعه المدني المفقود،لكن هذا الانفتاح يبقى هشًا إن لم يتبعه فعل إنتاجي يحفظ لتلك الورش معناها وكرامتها،وهنا تكمن الإشكالية،فحين تتحول الورشة إلى تمرين في الفراغ، لا يخرج منه المتدربون سوى ببعض التقنيات النظرية أو الحركات المكررة، فإننا نكون أمام فعل تدريبي مبتور، فالمسرح ليس مجرد مهارة تُكتسب، بل هو فعل يُختبر أمام متفرج، وسط سياق، وبداخل لحظة، فالورشة التي لا تنتج، تظل فعلًا مغلقًا على ذاته، لا يعترف بجوهر المسرح كفن حيّ،وليس معنى هذا أن كل ورشة يجب أن تنتهي بعرض مسرحي، ولكن على الأقل نتيجة فنية تُقدَّم. قد تكون مشهدًا مُركبًا، أو قراءة درامية، أو عملًا تجريبيًا قصيرًا أمام الجمهور. المهم أن يشعر المتدرب أن ما قام به من تحليل وتجريب قد نضج بما يكفي ليُعرض، ويُقاس، ويُنتقد، فهل نُدرّب كي نُدرّب؟ أم نُدرّب كي نُنتِج؟

إن انتقال الورش المسرحية إلى المحافظات، رغم أهميته، لا يمكن أن يكون هدفًا في ذاته، بل يجب أن يكون بداية لسلسلة إنتاجية تبدأ بالتدريب ولا تنتهي إلا بالتجسيد الحي فالورشة التي لا تنتهي بنتاج مسرحي تُعرّض نفسها لخطر العبثية، وتُحوّل المهرجانات إلى طقس احتفالي بلا مضمون، فالعدالة الثقافية ليست أن نمنح الجميع ورشًا، بل أن نتيح لهم الحق الكامل في الفعل المسرحي من ألفه إلى يائه.

اعتقد أنه مازال أمام إدارة المهرجان القومي للمسرح المصري متسعًا من الوقت لتطلب من مدربي تلك الورش نتاج حقيقي لهذا الحراك المسرحي عن طريق دمج الشباب المشاركين بورش الإخراج المسرحي،مع نظرائهم المشاركين بورش الأداء التمثيلي،والديكور،والكتابة المسرحية،ومناقشة مشروع مصغر لعرض مسرحي تجريبي لهؤلاء الشباب مستقبل الغد .

حسام الدين مسعد على هامش” القومي” وسراب الإنتاج الجارديان المصرية