الخميس 10 يوليو 2025 10:54 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب: بالعقل أقول…( من المنتصر و من المهزوم في حرب إيران إسرائيل..؟)

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

انتهت الحرب أم لم تنتهِ فالجدل مشتعل .. فالمرشد علي خامنئي أعلن انتصار إيران لأنها "لم تستسلم" و نظامها لا يزال قائماً .. و بنيامين نتنياهو احتفل بانتصاره لأنه نجح في تحريض الرئيس الأميركي على اتخاذ أكبر عمل عسكري في حياته السياسية ، و لأن جيش إسرائيل و جواسيسها جعلوا سماء إيران مفتوحة .. لكن دونالد ترامب غضب لأن الطرفين الآخرين لم يعترفا له بأنه "المنتصر الأول" و"الوحيد" في هذه الحرب ، فهو الذي سمح بإشعالها و حسمها ثم فرض وقف إطلاق النار ، وهو الذي وبّخ نتنياهو بعدما حاول التمرّد ، و هو أخيراً مَن هاجم خامنئي لأنه لم يشكره على منع إسرائيل من اغتياله حيث كان "يختبئ"..

و بعد التوبيخ إذا بترامب يطالب بوقف "الاضطهاد السياسي" لنتنياهو و محاكمته بتهم الفساد ، أي أنه يتدخّل علناً و مباشرةً في عمل القضاء الإسرائيلي .. و قبل وقف إجراءاته لتخفيف العقوبات و بعدها ، لا يزال ترامب في حاجة إلى استعادة التفاوض مع إيران ، لكن عباس عراقجي نبّهه الى وجوب "مراقبة لسانه" و"التخلّي عن لهجته غير المحترمة" تجاه المرشد إذا كان يريد اتفاقاً .. و بعد الضربات غير المسبوقة على المنشآت الثلاث ، أصبح ترامب أكثر تشدداً في الحصول على اتفاق "بشروطه"، غير أن طهران تتمهّل ..

هذه الحرب كشفت الكثير من التناقضات (البحث عن السلام من دون رؤية) و المفارقات (التمسّك بالنظام الإيراني تجنّباً لـ"الفوضى" مع أن الجميع يريد تغييره) و الأكاذيب (كلا الطرفين اعتبرها حرباً "وجودية" برغم أن بعض فصولها خضع لترتيبات متبادلة) ..
ومن التناقضات أن ترامب يريد "إنهاء الحروب"، لكنه أخفق في أوكرانيا و غزّة و لم يشأ منع حرب كان يمكن تفاديها من خلال مفاوضات كانت جارية مع إيران غير أن "الحليف" الإسرائيلي لم يكن راضياً عن مسارها ، و لن يرضى عن أي مسار مستقبلي لها ، فلا هدف له سوى التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني ..

ومن المفارقات أن يواصل ترامب تسفيه أجهزته الاستخبارية (التي عيّن رؤساءها) لأن تقاريرها و خلاصاتها لا تصبّ في "تمجيد" إنجازاته ، فطائرات "بي 2" الشبحية و قنابلها الخارقة قامت بالمهمة ، أما الحصيلة فقد تكون أو لا تكون بحسب التمنيات ، لكن ترامب يريد الإشادات قبل الحقائق ، و بطبيعة الحال لا يمكن الاعتماد على ادّعاءات أيّ من طرفَي الحرب للحصول على تقويم مهني للضربات .. و من التناقضات أيضاً أن يؤكّد ترامب بنفسه أن أي يورانيوم عالي التخصيب "لم يُنقل" من فوردو قبل الضربات فيما كان وزير دفاعه ينفي أن تكون هناك معلومات في هذا الشأن ، و ذلك خلال مؤتمر صحافي خصصه لتأنيب وسائل الإعلام على نشرها تسريبات من تقارير الأجهزة ..

و هكذا ، فليس مؤكّداً أن الحرب انتهت ، و لا مؤكداً أن البرنامج النووي عطّل نهائياً أو عُطّل لبضعة شهور أو بضع سنوات .. لكن المفارقة الكبرى أن تكون دولة نووية كإسرائيل غير موقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي خاضت حرباً "استباقية" للتخلص من سلاح نووي غير موجود بعد لدى إيران ، الدولة الموقعة على المعاهدة و تدافع عن برنامجها و عن "سلميّتةٍ" لم تستطع أن تقنع أحداً بصدقيتها ، فكانت بذلك كأنها استدعت الحرب عليها استدعاءً .. و مما كشفته الحرب ذلك الفارق الهائل بين الخطاب و القدرة في أسطورة القوّة الإيرانية حتى عندما وصل الخطر إلى العاصمة ، و كان الملالي يبررون زرع ميليشياتهم في خمسة بلدان عربية بأنه "خط دفاع أول عن طهران"، لكن هذا الخط سقط باستثناء جناحه الحوثي المؤثّر جزئياً في الصراع مع إسرائيل ..

لا يستطيع المرشد تصريف "الانتصار" في الداخل أو في الخارج ، فالاقتصاد الإيراني منهك و مستنزف ، و العقوبات قاسية جداً كما ذكّره ترامب الذي ادّعى أنه كان يعمل على تخفيفها ثم تراجع ، لكنه قد يخفّفها فعلاً .. أما نتنياهو فلا يرى ترجمة أخرى لـ"الانتصار" إلا بإعفائه من المحاكمة و قد يُصار الى إيجاد صيغةٍ ما لذلك ، لكنه يريد البقاء في السلطة و التملّص من مسؤولية "7 أكتوبر" و من تُهم الفساد ، كما يريد الاستمرار في الإبادة الجماعية في غزّة مع مواصلة الادعاء أن إسرائيل "دولة ديموقراطية".. و أما ترامب الذي لم يعد يضيره أن يُوصف بـ"الاستبداد" داخلياً فأصبح موقناً بأن بلوغ أهدافه الدولية رهن ممالأته المستبدّين أينما وُجدوا ..

و يميل العديد من المحللين الأميركيين و بعض الإسرائيليين إلى أن التشابهات تتكاثر بين ترامب و نتنياهو و خامنئي في سعيهم إلى "الفوضى" الدائمة .. و إذ تبرّع نائب الرئيس جي دي فانس باختراع "عقيدة ترامب"، فإنه لم يجد لها محتوى سوى "استخدام القوة العسكرية الساحقة و الخروج من صراع قد يصبح طويل الأمد"، مستخلصاً أنها تهدف إلى فرض "السلام" لكنه مدرك استحالة تطبيقها في أوكرانيا ، فيما يعتبر نتنياهو أنه هو مَن ألهم ترامب إلى عقيدة "السلام من خلال القوّة" كما يطبّقها في غزّة ..

خالد درة بالعقل أقول…( من المنتصر و من المهزوم في حرب إيران إسرائيل..؟) الجارديان المصرية