الخميس 31 يوليو 2025 07:46 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. عادل القليعي يكتب : بربي وربكم....لن يتبقى منا...إلا الأثر !

د.عادل القليعى
د.عادل القليعى

فإنه حتى لا ينزعج أحد من مقالتي ، فإنني كنت في صغري وفي فترة مراهقتي الفكرية كنت مولع بالألقاب ، وكنت دوما ما أضع لقب دكتور قبل اسمي على الرغم من أنني لم أحصل على درجة الدكتوراة بعد ، وكنت امتعض جدا ممن كان يناديني بغير اللقب.!

لكن مع تقدم السن أصبح الأمر مختلف تماما ، فباتت الألقاب لا تعنينا في شئ ، المهم ما سنقدمه من علم ينتفع به كل في مجاله ، وهذا هو الميراث الحقيقي الذي سيخلد أسماؤنا مع الخالدين ، فلا لقب سيبقى ولا لقب سيدخل معنا قبورنا وإنما أعمالنا.
ولعل هذا سبب رئيس من أسباب كتابتي عن هذا الموضوع.

فأود أن أقول لجميع المتفاخرين بألقابهم وبرتبهم ومراكزهم ، فكل هذه الأمور ستتركونها جميعا ولن يبقى لكم إلا الأثر.
فهونوا على أنفسكم ولا تلهثون خلف سراب ، ولا تمنحوا أنفسكم ألقابا أنتم لستم أهلا لها ، فاحفظوا كرامتكم ، وحققوا ذواتكم بعيدا عن زيف وخداع الواقع ، فإذا ما منحنا أنفسنا ألقابا لسنا أهل لها ففي ذلك امتهان لذواتنا أو ما يطلق عليه علماء النفس خداع الذات ، أو كما قال كارل ياسبرز ، كونوا ذواتكم صيروا ذواتكم.

لعل أسباب مهمة دفعتني للكتابة عن هذا الموضوع أيضا فوضى الألقاب التي تضاف إلى كل من هب ودب ، ألقاب تمنح وشهادات تعطى بدون وجه أي حق.
ومن هذا المنطلق كان ينبغي أن يكون لنا موقف من هذا الأمر.

فآثرنا أن نتحدث عن هذا الموضوع لعل وعسى صوتنا يسمع وما نكتبه يلاقي صدى عند صناع القرار فيبادروا ويوقفوا مثل هذه المهازل التي تصيب المجتمع فى صميمه فتعم الفوضى ويختلط الحال بالنابل.

منذ فترة وقبل أن أحصل على درجة الدكتوراة رسميا لأن اللجنة توصي بالمنح وتمر الدرجة بمراحل تبدأ من لجنة الحكم والمناقشة ثم اعتماد المنح من مجلس القسم ثم مجلس الكلية ثم مجلس الجامعة ، قبل أن أمر بهذه المراحل ذهبت لقضاء أمر ما عند مدير مكتب عميد الكلية ألقيت عليه السلام قال أهلا وسهلا يا أستاذ فلان ، قلت لقد منحت درجة الدكتوراة ، بادرني بالرد قائلاً لم يأتي منحك من الجامعة.

الشاهد فى هذه الرواية أن حتى موظف الكلية لم يعترف بدرجتي العلمية إلا بعد ثبوتها رسمياً وإرسال القرار الرسمي المعتمد من مجلس الجامعة.

عندما أطلق المعصوم صل الله عليه وسلم لقب سيف الله المسلول على خالد بن الوليد ، رضى الله عنه فهو لقب استحقه بجداره لصولاته وجولاته وفتوحاته ، وكذلك لقب الصديق على سيدنا أبو بكر لقب به بحقه لأنه صدق النبي في رحلة الإسراء والمعراج وكذلك الفاروق عمر بن الخطاب لاشتهاره بالعدل ، وجعفر الطيار ، وشيخ المجاهدين عمر المختار لجهاده الطويل ضد الإحتلال الإيطالي لليبيا ، وأحمد ياسين الحمساوي شيخ المجاهدين الشيخ القعيد الذي اغتالته صواريخ الصهاينة الغادرة.
وغيرهم كثر ، هؤلاء استحقو الألقاب عن جدارة.

أما الآن فنجد سائق الميكروباص والتوكتوك- أنا لا أقلل من شأن أي عمل شريف ، فكنت يوما ما أعمل فى دهانات الموبليا - نلقبه بالباشمهندس ، والبشتمرجي بالدكتور.
إنها فوضى الألقاب التي يعج بها واقعنا الذي نحياه.
فضلا عن ألقاب أديب ، مفكر ، الكاتب الصحفي ، الفنان ، الكاتب الصحفي الفلاني ، المطرب الفلان وتسمعه تجده مطرما تصاب عند سماعه بالغثيان والكاتب العلاني تقرأ له تجد ما يكتبه حتى لا يستحق عناء قراءته، وكذلك لقب أديب لقب مهم جدا لا يمكن بحال من الأحوال أن نطلقه على عواهنه فليس كل من كتب كام سطر ووضعهم بين دفتي مجلد نشرته له دار مجهولة الهوية (تحت السلم)، نلقبه بالاديب ، قصة من تأليف الأديب الفلاني .

يا جماعة الخير لا يمكن إطلاق هذه الألقاب ولو حتى على سبيل التشجيع ، لأن هناك من تغلب عليهم نرجسيتهم ويعيشوا الدور متقمصين شخصية الأديب ويتعالى على خلق الله ، وكذلك الشاعر كذا وتقرأ لا تجد شعرا ولا وزنا ولا قافية ولا عروض ولا مضمونا أساسا.

وكذلك الإعلامي كذا وهو ولا إعلامي ولا حاجة وإن سألته عن أبجديات الإعلام سواء إذاعة أو تليفزيون أو صحافة لا يعلم الألف من كوز الذرة.
أين ثقافة هؤلاء لا توجد ، أين لغتهم العربية لا توجد ، الإعلام المرئي ليس مظهرا فقط وإن كان المظهر مطلوب ، المظهر المنضبط لا الفج ، لا الكاسيات العاريات.

إن ما يحدث من هذه الفوضى لجد أمر خطير يهدر قيمة الكتاب الحقيقيين فضلا عن أن ذلك يضرب المنتج الثقافي والفكري فى الصميم.
نعلم كثيرون من العلماء الخلص لم يكتبوا حتى قبل أسمائهم لقب دكتور ويوقعوا باسماءهم فقط وإذا ما سألتهم تجدهم يردون بمنتهى التواضع ، المهم فكرنا يصل للناس وهو الذي سيخلد أسماؤنا، كما ذكرت في بداية مقالتي.

بل وقرأنا ذلك فى مخطوطات كبار الفلاسفة فوجدناهم يكتبون أسمائهم فقط دونما لقب ، بل ومنهم من كان يكتب الفقير إلى الله ، العبد الراجي رحمة ربه.

نأتي إلى الشهادات التى تمنح ، شهادة الدكتوراة الفخرية لمن تمنح هذه الشهادات ، تمنح من جهات معتبرة بمجلس جامعة وتختم بشعار الدولة لمن ، من أسهم إسهاما حقيقيا فى مشروع ما ، أو أتى بفكر جديد أو حصل على جوائز عالمية سواء جوائز ثقاقية أو أدبية ، لكن تمنح من جهات غير معلومة المصدر مجهولة النسب ، تحت السلم ، هذا ما لا نقبله .

تمنح للراقصين والراقصات والغانيين والغانيات ، المغنية الفلانية تمنح درجة الدكتوراة ، يا جماعة قد تكون لا تعرف حتى أن تكتب اسمها أو المغني الفلان ، هل يجوز إعطاء شهادة دكتوراة لبلطجي أو شمام ، أو راقصة ، يعني دكتوراة في إيه بالضبط ، في هز الوسط والجهة المانحة كبريهات شارع الهرم.

ما هذه الفوضى التى نحياها ، عندما يأتي دارس ليلتحق بالدراسات العليا يمر بمراحل قبل تسجيله للدرجة العلمية ، تمهيدي الماجستير أو دبلومة ، وبعدها يختار موضوع ما ومشرف يتعلم على يديه ويمكث سنوات قبل إجازة المشرف طباعته لرسالته ، ثم يخضع للجنة حكم من كبار الأساتذة الأكاديميين يجلس أمامهم يتصبب عرقا ويسئل في بحثه عنوانه ومنهجيته ومتنه وهدفه ونتائجه ومصادره ومراجعه ، ثم بعد ذلك تقرر اللجنة يجاز أم لا يجاز.

حتى بعد الدكتوراة نرى الأمرين في بحوث الترقيات لدرجة أستاذ مساعد خمس سنوات من العطاء والمذاكرة والتعب والسهر وترقى أو لا ترقى ، وكذلك الأمر بالنسبة للأستاذية.
احفظوا للألقاب هيبتها ، والدرجات العلمية مكانتها.

إذا أردنا حقا أن ننهض بكياننا الثقافي فلابد من وضع النقاط على الحروف ولابد أن يتوقف هؤلاء وأمثالهم عن الفوضى والعبث.

# أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.

د. عادل القليعي ربي وربكم....لن يتبقى منا...إلا الأثر ! الجارديان المصرية