شبراوى خاطر يكتب : كل فولة ولها كيّال...عن حياة الرفاهية اتحدث


بالأمس كنت أتجول في أحد المراكز التجارية الكبرى بالقاهرة، وأثناء مروري بجوار احد معارض الأثاث المنزلي الفخمة لفت انتباهي عرض لغرفة سفرة كبيرة فاخرة، فسوّلت لي نفسي أن ادخل لأتفحصها عن قرب، كانت مكوّنة من طاولة طعام ألمانية الصنع، بتصميم دائري، قطرها اكثر من مترين تقريباً، يصطّف حولها إثنا عشر مقعد بنيّة اللون من الجلد الطبيعي، وقرصة الطاولة من الرخام الرمادي وكأنها نوع من المرمر، وذات مستويين الدائرة الخارجية ثابتة ودائرة المنتصف متحركة.
فكان لابد من الاستفسار عن سعرها، وكانت الإجابة (٩٩٠،٠٠٠) ألف فقط لأنها عليها خصم خاص وسعرها الاصلي (١،١٥٠،٠٠٠) نعم مليون ومائة وخمسون جنيهاً، وعلى ذلك فإن سعرها في حدود ال ٢٠،٠٠٠ دولار تقريباً.
وهنا لا أقول أنها رخيصة أو غالية، ولكن هذا الأمر جعلني أستعيد ذكرياتي عن قيمة المنتجات والسلع الفاخرة في مصر والعالم، وأتذكر أن أسعار هذه المنتجات تعتبر عادية، وربما متوسطة بالنسبة لنوع العملاء من أصحاب الملايين في بلاد العالم.
كما أن ذلك ذكرني بأنني منذ اكثر من عشرة سنوات كنت أحضر مؤتمر عالمي في "شنغهاي" عن تسويق سلع الرفاهية والمنتجات الفخمة، وكان يتحدث فيها مديري العلامات التجارية الفخمة مثل سيارات بي إم دبليو، وفيراري، ولويس فيتون، وبرادا، وروليكس، وشانيل، وشركات الطائرات الخاصة، والفنادق الكبرى، واليخوت مثل شركة "فندي" وعلامات أخرى لخدمات ومنتجات الرفاهية.
وكان أن قام أحد الحاضرين بطرح سؤال على المتحدث من شركة سيارات بي إم دبليو فحواه، هل من السهل الوصول الى مشترين يستطيع شراء تلك المنتجات باهظة الثمن؟
وكان رده أن ذلك أمر سهل جداً، وقام بعرض إحصائية تفيد بأنه حسب الدراسات وجدوا أن الصين وحدها فيها ما يقرب من عشرة ملايين مليونير قيمة ثرواتهم تتخطى المائة مليون دولار لكل منهم، وبها ما يقرب من تسعمائة ألف ملياردير. وهؤلاء يبحثون عن التميز الذي يؤكد مكانتهم المالية والإجتماعية، وأن قدراتهم الإنتاجية كشركة لا تكفي تلبية طلبات هذه الفئة وهذا العدد الضخم من الأثرياء في بلد واحد على خريطة العالم، الأمر الذي يجعل قوائم الانتظار طويلة. وهذا ينطبق على معظم منتجات الفخامة الأخرى.
فالقضية هنا ليس هل نستطيع تسويق منتجاتنا أم لا؟ بل كيف نستطيع تلبية الطلب المتزايد على منتجاتنا ؟
وهذا ما جعلني ابحث عن أي إحصائيات عن الاثرياء في مصر على وجه الخصوص، فوجدت تحقيق تم نشره في جريدة "المصري اليوم" عن أعداد الأثرياء في مصر، ووجدت تقرير نشرته إحدى المؤسسات الدولية تتحدث عن تراجع عدد المليونيرات في مصر بنسبة تقترب من الربع خلال آخر 10 سنوات (2014-2024)، بحسب تقرير الثروة الأفريقية 2024 الصادر عن شركة «هينلي آند بارتنرز» المتخصصة في شؤون الثروة والهجرة الاستثمارية
وتضم قارة إفريقيا 135.200 مليونير (تبلغ ثروتهم الصافية 1 مليون دولار أو أكثر)، و342 «سنتي مليونير» (تبلغ ثروتهم الصافية 100 مليون دولار أو أكثر)، و21 مليارديرًا (تبلغ ثروتهم الصافية 1 مليار دولار أو أكثر)، بثروة إجمالية تبلغ 2.5 تريليون دولار أمريكي
ومن المقرر أن يرتفع عدد أصحاب الملايين في إفريقيا بنسبة 65% في العقد المقبل، مدفوعًا بالنمو القوي في قطاعات رئيسية مثل التكنولوجيا المالية، والسياحة البيئية، وتعهيد العمليات التجارية، وتطوير البرمجيات، وتعدين المعادن النادرة، والتكنولوجيا الخضراء، والإعلام والترفيه، وإدارة الثروات.
وحسب ما صدر عن هذا التقرير، فإن أسواق الثروة في إفريقيا: أشار إلى أن الخمسة دول الكبار، تبرز بعض مراكز الثراء البارزة هي جنوب أفريقيا، ومصر، ونيجيريا، وكينيا، والمغرب- مجتمعةً 56% من أصحاب الثروات الكبيرة في أفريقيا، وأكثر من 90% من مليارديراتها.
تتصدر جنوب أفريقيا القائمة بـ 37.400 مليونير(تبلغ ثروتهم الصافية 1 مليون دولار أو أكثر)، و102 «سنتي مليونير»، و5 مليارديرات، تليها مصر بـ 15.600 مليونير، و52 «سنتي مليونير»، و7 مليارديرات.
وعلى مستوى المدن، تبرز جوهانسبرج كأغنى مدينة، حيث تضم 12.300 مليونير، و25 «سنتي مليونير»، ومليارديرين اثنين. تليها كيب تاون بفارق ضئيل، حيث تضم 7.400 مليونير، و28 «سنتي مليونير»، وملياردير واحد. كما تبرز القاهرة (7.200 مليونير)، ونيروبي (4.400 مليونير)، ولاجوس (4.200 مليونير) كمراكز حضرية للثروة.
فاليوم، تنتشر الفخامة في كل مكان. حيث يبتكر المديرون وخبراء التسويق باستمرار مصطلحات جديدة لوصف الفخامة: مثل فخامة حقيقية، منتجات فخمة، أو فاخرة، أو فائقة الفخامة، أو فخمة للغاية. وإذا كان كل شيء فاخرًا، فإن مصطلح "الفخامة" يصبح لا معنى له. إذن فالسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي يُشكل إذًا منتجًا فاخرًا، أو علامة تجارية "فاخرة"، أو شركة فاخرة؟
وأن الرفاهية موجودة بالفعل، وليست مجرد تجارة تقتصر على بعض السيارات أو إكسسوارات الموضة، بل هي طريقة مختلفة وعالمية لفهم العملاء وإدارة الأعمال. ونستطيع أن ندرك بأن مفهوم الرفاهية قديم قدم البشرية؛.
وكما ابتُكر تسويق السلع الاستهلاكية واسعة الانتاج والإنتشار عالميًا، وطوّرته مجموعات دولية كبرى مثل بروكتر آند غامبل، ويونيليفر وغيرها، ثم اجتاح العالم، كذلك ابتُكرت استراتيجيات الرفاهية وطُوّرت عالميًا، لا سيما من قِبل الشركات الفرنسية والإيطالية.
وإن تلك الأساليب المبتكرة للغاية التي وُضعت لتحويل الشركات العائلية الصغيرة، في أقل من نصف قرن، مثل فيراري ولويس فويتون وكارتييه وشانيل، وكذلك بولغاري وغوتشي وبرادا وفيراغامو وأرماني، إلى علامات تجارية عالمية عظيمة، تنطبق في الواقع على العديد من المهن في جميع الثقافات تقريبًا.
وأصبح المصطلح يشمل معظم قطاعات التسويق التجاري، من أدوات التكنولوجيا والعقارات ووسائل الانتقال وأساليب المعيشة ووسائل الترفيه والسياحة وأنواع الاغذية حتى الحيوانات الأليفة وقطاعات ثقافية مختلفة.
وعندما نوجه أنظارنا إلى مصر، نسمع كثيرا عن قصص الاثرياء وما يدفعونه من أجل سعيهم نحو اكتساب مكانة متميزة مثلما نسمع عن قصص الساحل الشمالي وسعر زجاجة المياه العادية، والسيارات الفارهة بأنواعها وتميز أرقامها، وقصورهم وملابسهم وإكسسواراتهم الى آخره.
وفي النهاية، هذا ما يحدث بشكل نسبي في كل أنحاء العالم "الفقير والغني" بكل طبقاته.