الخميس 11 سبتمبر 2025 08:01 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

المحلل السياسي محمد الشافعى يكتب: 11 سبتمبر...السيناريو المحبوك وتداعياته على الأمة العربية

الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى
الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى

شكَّلت هجمات 11 سبتمبر 2001 منعطفًا تاريخيًا غيَّر وجه العالم، وخاصة في المنطقة العربية والإسلامية. هذه الأحداث لم تكن مجرد هجوم إرهابي مأساوي، بل كانت بداية لسيناريو مُحْبَكٍ من العنف والتغييرات الجيوسياسية التي أعقبتها، والتي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم. هذا المقال يتناول كيف تحولت هذه الهجمات إلى أداة لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى، أدت إلى استنزاف موارد العرب وتفريق صفوفهم وتغيير ديموغرافيتهم.

• الهجمات والرواية الرسمية: بين التنفيذ والتلفيق

- الحدث والمسؤولية: في صباح 11 سبتمبر 2001، اختُطفت أربع طائرات مدنية بواسطة 19 خاطفًا، معظمهم من السعودية، وصُدِّمت طائرتان في برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، والثالثة في البنتاغون، بينما سقطت الرابعة في بنسلفانيا بعد محاولة الركاب السيطرة عليها. أودت الهجمات بحياة 2977 شخصًا . تبنت تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن المسؤولية عن الهجمات في عام 2004، بعد أن أنكرها في البداية .

- الشكوك والتضارب: منذ البداية، أحاطت بالرواية الرسمية شكوك كبيرة. تشير بعض التحليلات إلى وجود ثغرات في رواية الحكومة الأمريكية، مثل الانهيار الكامل للبرجين رغم أن الحريق الناتج عن اصطدام الطائرات لا يكفي عادةً لإسقاط مباني بهذا الحجم . كذلك، هناك تساؤلات حول غياب أي يهود عن مركز التجارة العالمي في يوم الهجمات، مما أثار شكوكًا حول علم مسبق أو حتى مشاركة . هذه الشكوك غذتها تقارير إعلامية عربية وأجنبية، مشيرة إلى احتمال وجود تلفيق لتحميل العرب والمسلمين المسؤولية .

• الحرب على الإرهاب: الذريعة لغزو المنطقة

- بداية الحملة: تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش أن العالم "إما معنا أو مع الإرهابيين" . في أكتوبر 2001، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها غزو أفغانستان بهدف القضاء على تنظيم القاعدة وإسقاط حكومة طالبان التي آوتهم. لكن هذه الحرب سرعان ما تحولت إلى احتلال طويل الأمد، استمر 20 عامًا، انتهى بانسحاب فوضوي وعودة طالبان إلى السلطة .

- التوسع إلى العراق: في 2003، توسعت الحملة إلى غزو العراق تحت ذرائع كاذبة، chiefly امتلاك أسلحة دمار شامل ووجود صلات بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة . وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول اعترف لاحقًا أن خطابه أمام الأمم المتحدة الذي قدم تلك المبررات كان "أكبر شيء أندم عليه" . أدى الغزو إلى إسقاط النظام، ولكن دون خطة واضحة لإدارة ما بعد الغزو، مما فتح الباب أمام فوضى عارمة، وتمرد، وطائفية مقيتة، وظهرت من رحم هذه الفوضى تنظيمات متطرفة مثل داعش لاحقًا .

• إعادة رسم الخرائط: التغيير الديموغرافي وتقسيم المقسم

- الفوضى الخلاقة: تحولت استراتيجية "الفوضى الخلاقة" التي نادى بها بعض منظري السياسة الأمريكية إلى حقيقة مروعة في المنطقة. أدت الحروب والاضطرابات إلى تدمير كامل لدول مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، مما أدى نزوح وهجرة ملايين السكان. شهدت المنطقة تغييرات ديموغرافية خطيرة، مثل تغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق، وتفكيك النسيج الاجتماعي المتعايش تاريخيًا .

-مشروع الشرق الأوسط الجديد: يتحدث الكثير عن أن الحروب والتقسيم الذي حدث هو تنفيذ عملي لمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي يهدف إلى إعادة رسم خرائط الدول العربية وفقًا لخطوط طائفية وإثنية، مما يسهل السيطرة عليها وإدارة الصراعات فيها لصالح القوى الخارجية وحليفتها إسرائيل. أصبحت المنطقة أكثر تفتتًا وتشرذمًا من أي وقت مضى .

• الاستنزاف الاقتصادي والاستغلال: نهب موارد الأمة

- الحروب واستنزاف الموارد: كلفت الحروب التي أعقبت 11 سبتمبر تريليونات الدولارات، لكن الثمن الحقيقي دفعته الشعوب العربية. بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية الهائلة، أدت هذه الحروب إلى استنزاف هائل للموارد الاقتصادية والبشرية للدول العربية. تحولت التنمية للدفاع والإنفاق الأمني، وتراجعت البنية التحتية، وارتفعت مستويات الفقر والبطالة .

- السيطرة على الثروات: تحت ذرائع مختلفة، تم السيطرة على آبار النفط والموارد الطبيعية في العراق وليبيا، لتمرير صفقات لشركات النفط الدولية العملاقة. كما أصبحت الدول العربية الضعيفة والمفككة سوقًا مربحًا لبيع الأسلحة، حيث تتصدر الولايات المتحدة قائمة مصدري السلاح إلى المنطقة .

• تقسيم الصفوف وإضعاف الأمة: فرق تسد

- إثارة النعرات: لعبت القوى الخارجية وحلفاؤها الإقليميون على وتر الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية داخل المجتمعات العربية. تحولت الصراعات من مواجهة مع العدو الخارجي إلى حروب داخلية أهليّة، مثلما حدث في العراق واليمن وليبيا. ساهمت هذه السياسة في إضعاف المشروع القومي العربي وتفكيك أي تحالفات أو تكتلات إقليمية فاعلة .

- الدور الإسرائيلي: استفادت إسرائيل بشكل كبير من هذه الفوضى، حيث وجدت نفسها محاطة بدول مفككة ومنهكة، منشغلة بمشاكلها الداخلية والصراعات مع جيرانها. تراجعت القضية الفلسطينية على سلم الأولويات العربية والدولية، وتمكنت إسرائيل من المضي قدمًا في تهويد القدس وضم الأراضي الفلسطينية دون أي مقاومة عربية فاعلة أو دولية جادة .

• الثمن الإنساني والاجتماعي: معاناة مستمرة

- معاناة المسلمين والعرب: دفع المدنيون العرب والمسلمون ثمنًا بشعًا داخل وخارج أوطانهم. داخليًا، عانوا من الموت والتشريد والدمار. خارجيًا، واجه المسلمون والعرب في الغرب، وخاصة في أمريكا، موجة من التمييز والعنف وكره الإسلام ،تم تنفيذ آلاف جرائم الكراهية، وتم توجيه الشكوك بشكل جماعي تجاههم، وتم تمرير قوانين (مثل الحريات المدنية تحت مبرر مكافحة الإرهاب .

- الاعتقالات والتعذيب: أنشأت الولايات المتحدة سجن جوانتانامو السيء السمعة، حيث احتجزت مئات المشتبه بهم دون محاكمة لسنوات، وطبقت عليهم أساليب تعذيب وحشية مثل الإيهام بالغرق. اعترفت تقارير مجلس الشيوخ الأمريكي لاحقًا بهذه الممارسات ووصفتها بأنها "أسوأ من ما كنا نتخيله" خلال الحرب على الإرهاب .

• التغيير الديموجرافي والهجرة: تشتيت الشعوب

- موجات النزوح واللجوء: أدت الحروب والصراعات إلى واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في التاريخ الحديث. فر ملايين السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين من ديارهم، إما إلى دول الجوار أو إلى أوروبا. هذا التشتيت القسري أحدث تغيرًا ديموغرافيًا جذريًا في المنطقة، حيث فقدت العديد من المناطق طابعها السكاني المتنوع، وأصبحت بعض المدن والبلدات أشبه بالأطلال .

- هجرة العقول والكفاءات: بالإضافة إلى النزوح، شهدت المنطقة هجرة كبيرة للعقول والكفاءات والمهنيين (نزيف العقول) الذين بحثوا عن مستقبل آمن لأسرهم في الخارج. هذا الأمر أضعف قدرات الدول العربية على البناء والتعافي وزاد من تدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية .

• هل من منقذ؟

بعد أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر، يبدو المشهد العربي مأزومًا ومحطمًا. لقد نجح السيناريو المحبوك في تحقيق العديد من أهدافه: تم استنزاف موارد الأمة، وتفتيت دولها، وإشغالها بحروب داخلية، وتم تغيير الديموجرافيا عبر النزوح والهجرة، وأصبحت إسرائيل هي القوة المهيمنة الوحيدة في المنطقة دون منافس.

** السؤال الذي يفرض نفسه: هل من منقذ؟ الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب أولاً الاعتراف بالهزيمة النفسية والسياسية التي أوقعتنا فيها هذه المخططات. ثم يتطلب إعادة بناء الذات من الداخل، عبر المصالحة الوطنية، ومحاربة الفساد، وبناء أنظمة سياسية تعددية عادلة تمثل إرادة شعوبها وتحترم كرامتها. كما يتطلب إعادة إحياء المشروع القومي على أسس جديدة من التضامن والتعاون الحقيقي، وليس الشعارات الجوفاء. يجب أن تتحول القضية المركزية من الصراعات الداخلية إلى مواجهة التحديات الخارجية المشتركة.

** الذكرى ليست للبكاء على الأطلال، بل للعبرة والاتعاظ. يجب أن تكون ذكرى 11 سبتمبر تذكيرًا للأمة بأن طريق النهضة يبدأ بالوعي بواقعنا، وبالتضامن فيما بيننا، وبعدم السماح لأعدائنا بأن يلعبوا بورقة الفتنة مرة أخرى. فقط بالوحدة والعلم والعمل يمكن الخروج من هذه الكارثة التي لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.

والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.

المحلل السياسي محمد الشافعى 11 سبتمبر...السيناريو المحبوك وتداعياته على الأمة العربية الجارديان المصرية