بأختصار ..؟
أحمد إبراهيم يكتب : الكيان الصهيوني وطريق الموت علي قطر


العدوان الصهيوني علي قطر لم يأتِ من فراغ، بل هو استمرار لمنطق القوة والابتزاز الذي تمارسه حكومة الكيان الصهيوني منذ عقود، لكن هذه المرة مع جريمة غير مسبوقة وفعل متهور، وبدعم أمريكي مباشر وغير مباشر. فالدور الأمريكي في هذه الجريمة لا يمكن التغاضي عنه أو تفسيره بمنطق "الجهل المسبق" أو "الموافقة الضمنية"، بل هو شريكٌ في التخطيط والتنفيذ، أو على أفضل تقدير، شريك في التغطية والتسويق السياسي. كيف للولايات المتحدة أن تدعي حماية حلفائها بينما قواعدها العسكرية المنتشرة في قطر وفي دول خليجية أخرى لم تتحرّك لردع هذا العدوان؟ ... بل كيف تفسر التقارير الأولية التي تشير إلى استخدام المجال الجوي أو أنظمة المراقبة التابعة لها في تيسير العملية؟ إنها معادلة مألوفة: فالكيان الصهيوني اصبح ينفذ الفوضى بمنطق القوة والنفوذ، والولايات المتحدة تضمن له الحماية والحصانة في كل مرة يقوم بها بالاعتداء علي سياده اي دولة عربية
لا يمكن تحليل هذا العدوان بمعزل عن السياق الإقليمي المتأزم أساساً. فالدول العربية، وخصوصاً الخليجية منها، تعيش حالةً من الانقسام الحاد بين من يرى في التطبيع مع الكيان الصهيوني طريقاً للسلام والأمن، ومن يرفض ذلك ويراه استسلاماً مهيناً واستمراراً للتبعية الأمريكية. هذا العدوان جاء ليكشف زيف المقولة الأولى ويضع الأنظمة المطبعة أمام امتحانٍ عسير: إما أن تقف مع سيادة الدولة العربية المنتهكة، أو أن تعترف بشكلٍ غير مباشر بأن التطبيع كان غطاءً للتبعية ولم يُنتج أي حدود حمراء للكيان المحتل. الشعوب العربية، من ناحيتها، لم تعد غافلةً عن هذه المعادلة، بل هي تراقب بغضبٍ صامتٍ قد يتحول إلى عاصفةٍ إن استمرّ منطق الإفلات من العقاب ..
ان التداعيات الأمنية والعسكرية لهذا العدوان ستكون بالغة التعقيد وشديدة الخطورة وطويلة الأمد. على المستوى القطري، ما المتوقع، يجب أن يكون أن تشهد الساحة السياسية حالة من المراجعة الشاملة لتحالفاتها الإقليمية والدولية، ولسياساتها الأمنية، ولطبيعة وجود القواعد الأمريكية على أراضيها..
السؤال سيطرح هنا بإلحاح شديد: هل تستطيع هذه القواعد حماية قطر أم أنها أصبحت مصدر تهديد لسيادتها؟. على المستوى الإقليمي، فإن هذا العدوان يفتح الباب أمام موجة من عدم الاستقرار، فقد يشجع الكيان الصهيوني على تكرار هذه العمليات في دول عربية أخرى، كما أنه بهذا الفعل، يرسل رسالة خطيرةً لإيران وتركيا ومصر ليست بمعزل عن هذا مع التمييز بين الموقفين الرسمي والشعبي في مصر نحو العدو الصهيوني اللقيط، بأن حدود السيادة في المنطقة أصبحت مكشوفة ومهدورة ..
الرد على هذا العدوان لن يكون بالضرورة رداً عسكرياً تقليدياً، فدولة قطر لا قدرة لها منفردة إلا على إتخاذ الدبلوماسية سبيلاً فهي الدولة التي تعيش تحت حماية المعتدي ذاته وسيده الأمريكي ولو قيل غير هذا وهو عار لا يبرئ النظام القطري من المسئولية بل يضعه أمام تقييم قيمته عند من تحالف معهم وسيَّدَهم أرضه ودفع لهم جزية بقاء عرشه تحت حمايتهم دون السقوط سوى في مستنقعهم كغيره من الأنظمة العربية العميلة كالتي حلقت في أجوائها الطائرات التي ضرب بها الكيان الصهيوني قطر ومن قبلها إيران على سبيل المثال لا الحصر, فلا سبيل لقطر سوى دبلوماسيتها المعروفة بقدرتها على حشد الرأي الدولي الرسمي والعام على السواء وهو أمر مشهود لدبلوماسيتها لا شك. سنشهد على الأرجح حملةً دبلوماسيةً وقانونيةً شرسة في المحافل الدولية، خاصة مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، لتجريم الكيان الصهيوني وشركائه ..
كما أن رد الفعل الشعبي العربي سيكون عاملاً ضاغطاً على الأنظمة الحاكمة، وقد يدفع الشعوب الي تحرك شعبي نحو دخول العرب في حرب و إعادة النظر في كل اتفاقيات التطبيع تحت قبة جامعة الدول العربية أو من خلال تحالفات إقليمية جديدة. الخطر الأكبر يكمن في أن يصبح هذا العدوان سابقة خطيرة تستخدم لتبرير أي انتهاكٍ للسيادة في المستقبل، مما يفتح الباب أمام حرب إقليمية شاملة لا يحمد عقباها ..
في نهاية الكلام نقول ان العدوان الإسرائيلي،علي الدول العربية عدوان سافر وانه ليس مجرد عملية عسكرية، بل هو زلزال سياسي وإستراتيجي هز أركان النظام الإقليمي الهش. فقد كشف هذا العدوان عن حقيقة مرة: أن التطبيع والتبعية الأمريكية لم يوفرا الحماية للدول العربية، بل جعلها أكثر عرضة للابتزاز والعدوان. الآن، أمام الدول العربية خياران: إما الاستمرار في النوم في حضن التبعية المهينة مع خطر تكرار العدوان، أو النهوض لبناء إستراتيجية أمنية عربية مستقلة تكون السيادة الوطنية فيها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. فأن القادم من الأيام سيحدد مصير المنطقة: إما صحوة كبرى، أو استمرار في السير على حافة الهاوية العربية ..