السبت 13 سبتمبر 2025 12:03 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : كـنْ رجلا ذا أثـر

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ هذا العنوان مقتبس من وصية أحمد شوقي: (وَكُن في الطَريقِ عَفيفَ الخُطا شَريفَ السَماعِ كَريمَ النَظَر، وَخُذ لَكَ زادَينِ مِن سيرَةٍ وَمِن عَمَلٍ صالِحٍ يُدَّخَر، وَلا تَخلُ مِن عَمَلٍ فَوقَهُ تَعِش غَيرَ عَبدٍ وَلا مُحتَقَر، وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ يَقولونَ: مَــرَّ وَهَذا الأَثَر)، ما أبلغها من وصية! إنها تدعو الإنسان أن تكون خطواته طيبة لا إثم فيها وأن يحفظ سمعه وبصره، وأن يكون زاده سيرة طيبة وعملا نافعا له وللمجتمع يجعل له مكانة عظيمة، فيقول الناس: مات فلان وبقي أثره، فالمقصد من كل ذلك أن يكون المسلم قدوة، فيترك أثرا طيبا ينفع غيره وينفعه في الدنيا والآخرة، فيسمو به ويُبقيه بعد موته حـيًّا بين الناس؛ لأن المرء يحيا بأفعاله، قال الشاعر: (قد مات قومٌ وما ماتَتْ مكارمُهم، وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ)؛ لذا كان من دعاء إبراهيم: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}، أي اجعل لي ذكرا جميلا وأثرا طيبا بين عبادك، وهذا الأثر عظيم الأجر؛ ففي الحديث «إذَا أرَادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا استعملَهُ، فقيلَ: كيفَ يستعملُهُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: يوفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ».
ــ ولعل شوقي في وصيته متأثر بقول الله: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}، أي إننا نسجِّل لهم أعمالهم التي عملوها في الدنيا سواء أكانت هذه الأعمال صالحة أم غير صالحة، ونسجِّل لهم آثارهم التي تركوها بعد موتهم، وهي نوعان: أحدهما: خطواتهم إلى الطاعات والمعاصي، وهذا ما أشار إليه حديث جابر «خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المَسْجِدِ، فأرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إلى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذلكَ رَسولَ اللهِ، فَقالَ لهمْ: إنَّه بَلَغَنِي أنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ، قالوا: نَعَمْ يا رَسولَ اللهِ، قدْ أَرَدْنَا ذلكَ، فَقالَ: يا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ»، والمعنى أن ما حوْل المسجِدِ النَّبويِّ أصبح خاليا من العمران، وكانت ديار بني سلمة بعيدة، فأرادوا أن يقتربوا من المسجد ليجاوروا النبي، فعلم النبي بذلك فقال لهم: الْزَموا دِيارَكم ولا تَنْتَقِلوا عنها يُكتَبْ لكم أجـر خُطاكم إلى المسجد، وكرر النبي كلامه ترغيبا في بقائهم وتأكيدا على إثابتهم، وقد أراد النبي من بقائهم ألا تخلو حدود المدينة من السُّكَّان ليكثر المسلمون في أعين أعدائهم، وهذا فكر استراتيجي عالٍ! فأقوى سلاح يحمي حدود البلاد وأطرافها من الاعتداء هو إعمارُها.
ــ والنوع الآخر من الآثار: أعمالهم الباقية لهم ولغيرهم صالحة كانت كالعلم النافع والصدقة الجارية وفعل الخير أو غير صالحة كصالات القمار والخمر واللهو واللعب والإلحاد ومحاربة الحق وأهله، وسيجازيهم الله على آثارهم بما يستحقون من ثواب أو عقاب، وهذه الآثار نراها واضحة في حديث أنس «مَرَّتْ جنازةٌ فأثنوا عليها خيراً فقال النبي: وجبتْ، ثم مَرَّت أخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبتْ، فقال عمر: ما وجبتْ؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبتْ له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبتْ له النار، أنتم شهداء الله في الأرض»، ولم ينهَ النبي الصحابة عن وصف الميت بسوء، إنما المنهي عنه السبُّ؛ ففي الحديث «لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ؛ فإنَّهُمْ قدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا»، أما حديث «اذكروا محاسن موتاكم» فضعيف، لكن لا يُذكر الميت بسوء إلا للتحذير من صفات له سيئة أثَّـرت في المجتمع سلبا.
ــ لذا يجب أن يكون المؤمن ذا أثـر طيب في الناس يذكرونه به فيدعون له فتزيد حسناته؛ لذا حث الإسلام على فعل الخير فقال ربنا: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ومن الأثر الطيب ما ورد في حديث «إنَّ مِمَّا يلحقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِه بعدَ موتِه عِلمًا علَّمَه ونشرَه وولدًا صالحًا ترَكَه ومُصحفًا ورَّثَه أو مسجِدًا بناهُ أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بناهُ أو نَهرًا أجراهُ أو صدَقةً أخرجَها من مالِه في صِحَّتِه وحياتِه».

دكتور علاء الحمزاوى كـنْ رجلا ذا أثـر: الجارديان المصرية