الجمعة 26 سبتمبر 2025 11:55 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب: الإلحـــــاد واليـقــين

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ كلمتان في القرآن مترادفتان لغةً متضادتان شرعا هما الحَنْف والإلحاد، ففي اللغة هما بمعنى الميل عن الطريق المعتاد أو الميل عن طريق الجماعة، وشرعا الحنْف هو الميل عن الباطل إلى الحق؛ فنُعِت إبراهيم بأنه حنيف؛ لأنه مال عن الخط العام للقوم وهو عبادة الأوثان والكواكب إلى عبادة الله الحق؛ فأمرنا الله باتباعه، قال تعالى: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، والإلحاد هو الميل عن الصواب إلى الخطأ وعن الاستقامة إلى الانحراف وعن العدل إلى الظلم، قال ربنا في شأن البيت الحرام: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، فالملحد هو المنحرف المائل عن الحق إلى الباطل، وقد يصل إلى درجة عدم الإيمان بالله، ومع أن الملحدين منحرفون مخالفون للفطرة السليمة تزيد نسبتهم في العالم.
ــ وإذا كانت الأديان تدعو إلى محاسن الأخلاق فإن الإلحاد مناف لها؛ يقول الفيلسوف بيكون: "الذين ينكرون وجود الله يدمرون نُـبـْـل الإنسان"؛ لأنهم يحتكمون إلى العقل وحده، فهو الضابط والحاكم والرقيب على سلوك الإنسان، وأن الأخلاق عندهم نسبية، فما يراه شخص سلوكا سلبيا يراه آخـر سلوكا إيجابيا، وما يراه شخص ممنوعا يراه آخر مباحا، فمن آراء ریتشارد دُوكِنز أحد أكابر ملحدي أمريكا التي تدل على فساد أخلاقهم أنه لا يعترف بالخيانة الزوجية، بل يرى ذلك حقا للزوجين، فمن حق الزوج أن يتمتع متعة جنسية مع امرأة أخرى، ومن حق الزوجة أن تتمتع جنسيا مع رجل آخر، بل يرى الملحدون في الغرب أن الانحرافات كالزنى والشذوذ والزواج المثلي والاستغلال الجنسي للأطفال وتعاطي المخدرات سلوكيات مقبولة أخلاقيا من باب الحرية المطلقة، بل أسَّسوا جمعيات للدفاع عن هذه الانحرافات، وقد أكدت دراسات أن هذه الرؤية كفيلة بهدم أي مجتمع عاجلا أو آجــلا.
ــ ذلك لأن العقل وحده لا يمكن أن ينظم حياة البشر وأن يفصل بين الصواب والخطأ وبين المباح والممنوع، فهو بحاجة إلى الدين لضبط حدوده؛ ومن ثم فالملحدون عدائيون للدين يهاجمون أصحاب القيم الإنسانية المؤمنين بالإله الخالق، وألَّف دُوكِینز كتابا أسماه "وَهْــم الإله"، وهو ذو صبغة عدائية للإسلام، لكنه ليس أسوأ ولا أجـرأ من مسلمة مصرية هي نوال السعداوي فقد ألفت كتابا أسمته "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة"، ولعل ظهور مصطلح "الإسلام فوبيا" أي الإرهاب الإسلامي في الغرب دليل واضح على عدائية الإلحاد للإسلام، وزادت النزعة العدائية بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 وإعلان أمريكا الحرب على العالم الإسلامي وغـزو أفغانستان والعراق.
ــ والملحدون من رؤية إسلامية درجات: منكرون لوجود الله وهم الأسوأ، وإنكار الله عندهم نابع من عدم إيمانهم بالغيب، وهم يرون أن العالَم وُجِد بمحض الصدفة، ويمكن أن نعد فرعون من هذا النوع؛ لأنه أنكر الإله الحق، وادَّعَى الربوبية؛ {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ}، ومنكرون للدِّين مع إيمانهم بوجود الله، ويمكن أن نعـدَّ مشركي العرب من هذا النوع؛ إذ أقروا بوجود الله الخالق الرازق، لكن أشركوا به آلهة أوثانا وسخروا من الإسلام، وانتهكوا المحرَّمات، وهذا النوع أقل خطورة من سابقه، ومنكرون للسُّنة النبوية، ويُسمِّون أنفسَهم القرآنيين، وهم ليسوا كذلك؛ لأن القرآن يأمر باتباع السُّنة، قال ربنا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وقد أجمل القرآن أحكاما كثيرة فصَّلتْها السُّنة.
ـــ وحُكم الملحدين المسلمين أنهم إذا كانوا كاتمين إنكارهم لثوابت الدين فهم مسلمون، ولا يجوز اتهامهم؛ لأنهم لم يجاهروا بإلحادهم وبرفضهم للثوابت أمام المجتمع، وإذا كانوا معلنين إلحادهم وإنكارهم للثوابت أو لبعضها يُصنَّفون خارجين أو مرتدين أو منافقين، بل يمكن أن يندرجوا تحت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ}.
ــ وظهور الإلحاد في العالم الإسلامي له أسباب كثيرة ذكرها العلماء، منها غياب القدوة الصالحة في بعض الأُسَر والمجتمعات؛ فينشأ الشاب لا يعرف دينه معرفة صحيحة؛ فيسهل عليه تركه لأي سبب، والانفتاح الثقافي والإعلامي على المجتمعات الملحدة مع ضعف الوازع الديني لدى بعض الشباب والمثقفين، فتلقَى شبهات الإلحاد هوًى في نفوسهم، فتصاب عقولهم بأفكار الملحدين، بالإضافة إلى حـب الشهوات من جنس ومال وغرور وكبرياءَ وشهرة، فالملحد يجد نفسه في هذه الأشياء، فهو يريد أن يفرِّغ شهوته دون ضابط ولا رابط ولا حساب، ومنها تشقُّق الأمـة الإسلامية؛ ونتج عنه هزيمة حضارية أمام المدنية الغربية؛ فأدَّت إلى انسلاخ بعض المسلمين من دينهم وثقافتهم؛ لذلك فالاستعمار فاتح لأبواب الإلحاد، ولعل أهـم أسباب الإلحاد هو غياب اليقين عند الملحدين ليحل محله الشك، واليقين هو التأكد والاطمئنان والإيمان الراسخ بالله وبالموت والبعث والحساب والجزاء، وهو أبرز صفات المتقين، قال ربنا: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}، وفي الحديث «اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا»، فاليقين هو الحائط الأعظم لصد الإلحــاد.
ــ كما ذكر العلماء آليات كثيرة لمعالجة الظاهرة، منها ترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوس المسلمين، ترسيخ الحضور القرآني بتدبر آياته والالتزام بالسُنة النبوية، نشر الخطاب الوسطي لمواجهة التطرف بنوعيه، التحذير من التيارات المنحرفة، الاهتمام ببحوث الإعجاز القرآني والنبوي، زيادة الندوات والمحاضرات في الجامعات والمدارس والإعلام ومواقع التواصل حول الإلحاد وتقديم إجابات مقنعة عن التساؤلات المثارة فيه، إنشاء مراكز علمية في البلاد الإسلامية لمواجهة الإلحاد بالدلائل والبراهين ونقده بموضوعية.

دكتور علاء الحمزاوى الإلحـــــاد واليـقــين الجارديان المصرية