سمير إبراهيم زيان يكتب : بين النقد والتفكير .... حين يغيب الوعي بالفاعل وينتفخ الموضوع


في البدء ، لا يسعنا إلا أن نثمّن للدكتور عادل القليعي جرأته الفكرية وحرصه الدائم على فتح نوافذ الحوار حول قضايا الفكر والوعي ، عبر مقالاته التي تحفّز القارئ لا على الاتباع ، بل على المشاركة في طرح الأسئلة وبناء الرؤى .
ومقاله الأخير : " تفكير ناقد ... أم تفكير نقدي ؟" يمثل نموذجًا حيًا لهذا النوع من الطرح الذي يعيد للفكر العربي حيويته المفقودة ، ويضعنا وجهًا لوجه أمام ضرورة إعادة النظر في أدواتنا العقلية ومناهجنا التحليلية .
ليس من اليسير أن نفصل في المعنى بين التفكير الناقد والتفكير النقدي كما تفضّل الدكتور القليعي ، فالمسألة في جوهرها ليست لغويةً بقدر ما هي وعيٌ بالعلاقة بين الذات المفكرة والموضوع المدرك .
فالفكر لا يكون ناقدًا إلا إذا كان صاحبه حاضرًا في وعيه، متيقّظًا لحيله ، قادرًا على أن يزن المسافة بين ما يرى وما يُقال له أن يرى .
إنّ التفكير الناقد ليس حكرًا على منهج تحليلي أو مقارن ، بل هو في صميمه حالة يقظة ورفضٌ للخمول الجمعي .
أما التفكير النقدي فهو الامتداد الطبيعي لهذا الوعي حين يتحوّل من فعلٍ فردي إلى طاقة جماعية تهدف إلى بناء معنى مشترك للوجود الإنساني .
وأحسب أنّ ما يحتاجه واقعنا العربي والإسلامي ، كما أشار الدكتور القليعي ، هو أن يتجاوز التنظير إلى الفعل ؛ فالنقد الحقيقي ليس في الكلمات ، بل في إعادة توجيه البوصلة نحو الإنسان ذاته - كقيمةٍ ومركزٍ للمعرفة .
فحين نمارس التفكير لا كترفٍ ذهني بل كمسؤولية أخلاقية ، ننتقل من دائرة القول إلى فضاء الوعي البنّاء .
وهنا تتجلّى أهمية الطرح الذي قدّمه الدكتور القليعي ، إذ يُذكّرنا بأنّ الناقد الحقيقي لا يكتفي بالتحليل ، بل يحمل همّ الإصلاح ، ويرى في النقد وسيلة للعبور نحو الممكن .
كلّ تقديرٍ للأستاذ الدكتور عادل القليعي على هذا الجهد العلمي الرصين الذي يعيد لخطابنا الثقافي روح التساؤل ، ويحثّنا على ألا نكتفي بالتفكير في الأشياء ، بل أن نفكر في الإنسان ذاته ، في وعيه ومصيره ودوره في بناء العالم .
فما أحوجنا اليوم إلى أصواتٍ فكريةٍ مثله تُضيء الطريق ، لا لتفرض رأيًا ، بل لتوقظ العقل من غفوته .
# سمير إبراهيم زيّان
كاتب وباحث في الفلسفة والتأمل الإنساني