دكتور علاء الحمزاوى يكتب : الغِــشُّ نمـوذجـًا


ــ "صحِّحْ مَفاهيمَك" مبادرة وزارية تثقيفية توعوية أُطلِقت لتكون مشروعا وطنيا يهدف إلى بناء مجتمع قوي متماسك من خلال تعزيز قيم الانتماء والانضباط وتصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة والسلوكيات المجتمعية المعوَجَّة ومعالجة ظواهر سلبية تمس واقع المجتمع، ومن أبرز تلك الظواهر ظاهرة الغــش.
ــ الغِــشُّ هو كل قـول أو فعل يهدف إلى تحقيق كسب حرام أو إخفاء حقيقة أو تضليل أناس أو خداع آخرين؛ فهو يُـعَـدُّ ظلما وتجاوزا وتعديا على الفرد والمجتمع، وللأسف يدخل الغش في كل شيء، فيدخل في السلعة وزنا وسعرا وجودة، ويدخل في التعليم والامتحانات، ويدخل في إنشاء المرافق العامة كالمدارس والمستشفيات والكباري والطرق، ويدخل في عمليات التجميل البشري، ويكون في المسئولية والنصيحة، بل إن التقصير في أداء العمل يعد غشا للمؤسسة؛ ومن ثم يسهم الغش في انتشار الفساد والرشوة والسرقة والإهمال والقتل؛ حيث ينتج عنه خريج جاهل وموظف مرتشٍ وطريق سيء ومبنى متصدِّع، وكل ذلك يعرقل عملية البناء والتقدم، بل يؤدي الغش إلى هدم المجتمع وقيمه الإيجابية؛ لذلك حذَّر منه النبي تحذيرا شديدا فنفى صفتَي الإسلام والإيمان عن الغشَّاش فقال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وفي رواية جاء التحذير عاما فقال: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّي»، وهذا معناه أنه لا يجوز للمسلم أن يغش أي إنسان حتى لو كان كافرا.
ــ وساق القرآن نموذجا للغشَّاش في قول الله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، الويل الهلاك الشديد والعذاب الأليم، والتطفيف البخس والخداع للآخرين فهو الغــش، والمطففون هم الذين يبخسون الناس حقوقهم في الكيل والوزن، إذا اشتروا من الناس أخذوا زيادة عن حقوقهم، وإذا باعوا لهم أنقصوهم حقوقهم غـــشًّا أو قـهـرا، وهذا ما أكده النبي في قوله: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ اتَّقَى وَبَرَّ وَصَدَقَ، قالوا: أليسَ اللهُ أحلَّ البيعَ وحرَّمَ الربَا؟ قال: بلى، ولكنهم يَحلِفونَ ويُحدِّثونَ فيَكذِبون»، والكذب في البيع والشراء غــش في السعر والجودة.
ــ كذلك من مظاهر الغش التلاعب للاستيلاء على المال العام الذي حصَّنه الله بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}، فالمراد بـ{أموالكم} المال العام؛ وإنما أضافه ربنا إلى الناس لأنهم يشتركون في الانتفاع به، فكأنه مـال خاص لكل من ينتفع به؛ فيجب أن يحافظ عليه؛ لذا حرَّم الإسلام اكتساب المال بالوسائل التي تُخِلُّ بالتوازن المجتمعي، وحـرَّم إنفاقه فيما يضر بالمجتمع، فحرَّم السرقة والربــا والغُلول (الخيانة) والقِمار والإسراف والتبذير مع تشريع عقوبات رادعة للمجرمين.
ــ ويُعـدُّ الغش في الامتحانات أسوأ مظاهر الغش؛ لأنه يرفع نتائج طلاب لا يستحقون، ويظلم الطلاب المجتهدين ويضيِّع استحقاقاتهم في المجتمع؛ فينتج عنه تخريج كوادر غير قادرة على قيادة المجتمع بل غير مؤهلة لخدمة المجتمع؛ ما ينعكس سلبا على التنمية والتطوير ومستوى الخدمات المقدَّمة، ويُعوِّد المجتمع على قبول الكذب والتدليس وتزيين الباطل، بل يؤدي الغـش في الامتحانات إلى التخريب والفساد في المجتمع، وهذا ظلم أعظم؛ لأن الغشاش قد يعمل في مجال التعليم فينشر الغش بين طلابه، وقد يعتلي منصبا مرموقا فيفسد ويخرِّب بإساءة استخدام سلطاته؛ وقد نهى الله عن الفساد والتخريب في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}، وذمَّ الله التخريب والمخربين فقال: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، ويُحمَل على ما سبق الغش في سائر المعاملات الإنسانية.
ــ والكسب الناتج عن الغش يخرِّب الأسرة والمجتمع؛ لأنه كسب حـرام، والأصل في الكسب أن يكون حلالا من عمل صالح يستقيم به الفـرد ويتماسك به المجتمع وتنهض به الأمة؛ لذا أمر الله به قائلا: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالًا طَيِّبًا}، وقال النبي: «إنَّ اللهَ تعالى طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلا طَيِّبًا»، اللهم أغنِنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بطاعتك عن معصيتك، وأغننا بفضلك عمَّن سواك.