الأربعاء 29 أكتوبر 2025 11:59 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. هاني المصري يكتب : معركة الفاشر.. آخر قلاع دارفور تسقط في يد الفوضى

د.هاني المصرى
د.هاني المصرى

في قلب دارفور، وتحديدًا في مدينة الفاشر، تدور واحدة من أعنف المعارك التي شهدها السودان منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
بدأت فصول المعركة الأخيرة بحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع على المدينة، قبل أن تتحول إلى مذبحة دامية أودت بحياة المئات من المدنيين، ودفعت بعشرات الآلاف إلى النزوح في ظروف إنسانية مأساوية.
من الحصار إلى الانهيار
لأسابيع، صمدت القوات النظامية داخل الفاشر رغم شحّ الإمدادات وانقطاع الاتصالات والوقود، بينما أحاطت بها قوات الدعم السريع من جميع الاتجاهات.
وفي ظل الغياب التام لأي ممرات إنسانية، انهارت المدينة تدريجيًا تحت وطأة القصف العشوائي والاشتباكات، حتى سقطت أخيرًا في قبضة المليشيات، لتبدأ مرحلة جديدة من الفوضى والانتقام.
شهود عيان تحدثوا عن عمليات تصفية جماعية واستهداف مباشر للمدنيين، لا سيما أولئك الذين أعلنوا دعمهم للقوات المسلحة السودانية، في مشهد أعاد للأذهان فصول الحرب الأهلية التي مزّقت دارفور قبل عقدين.
دماء بلا نهاية
لم تكن معركة الفاشر مجرد مواجهة عسكرية، بل فصلًا جديدًا من معاناة وطنٍ ينزف منذ عامين.
تدمير البنية التحتية، وانهيار الخدمات، وغياب الأمن، حولت حياة المدنيين إلى جحيم يومي.
منظمات الإغاثة الدولية وصفت الوضع الإنساني بأنه "كارثي"، مشيرة إلى أن المدنيين هم الضحية الأولى والأخيرة في حرب لا يعرف أحد متى تتوقف.
من المستفيد من نزيف السودان؟
السؤال الذي يطرحه المراقبون اليوم هو: من المستفيد من استمرار النزيف السوداني؟
فكلما طال أمد الحرب، ازدادت معاناة الشعب، وتفتت مؤسسات الدولة، ووجدت القوى الإقليمية والدولية فرصتها لتعزيز نفوذها على حساب سيادة السودان ووحدته.
هناك من يرى أن إضعاف الجيش النظامي يمثل هدفًا استراتيجيًا لبعض الأطراف التي تسعى لتحويل السودان إلى ساحة نفوذ وممر لمصالحها.
بينما يؤكد آخرون أن غياب موقف دولي حازم تجاه انتهاكات المليشيات يفتح الباب أمام فوضى مستدامة تهدد الأمن في المنطقة بأسرها.
السودان إلى أين؟
بعد سقوط الفاشر، تبدو البلاد أمام مفترق طرق خطير.
فإما أن يتحرك المجتمع الدولي بجدية لوقف الحرب وحماية المدنيين،
وإما أن يتواصل تفكك الدولة السودانية إلى كانتونات من الخوف والجوع والدماء.
وفي كل الأحوال، تبقى الحقيقة المؤلمة أن من يدفع الثمن هو المواطن السوداني البسيط، الذي حُرم من الأمان والغذاء والتعليم والكرامة، في وطن أنهكته الحروب وغيّبته الفوضى.
كلمة أخيرة يا سادة
معركة الفاشر ليست مجرد معركة على الأرض، بل رمز لمعركة على هوية السودان ومستقبله.
فإما أن يخرج منها السودانيون أكثر وعيًا بوحدتهم ومصيرهم المشترك،
أو يتركوا السلاح يرسم حدود وطنهم بالدم والنار.

د. هاني المصري معركة الفاشر.. آخر قلاع دارفور تسقط في يد الفوضى الجارديان المصرية