الأربعاء 29 أكتوبر 2025 12:35 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

هيثم جويدة يكتب: يوجين دولاكروا... حين يصبح اللون سلاحاً للحرية

الإعلامى الكبير هيثم جويدة
الإعلامى الكبير هيثم جويدة

لم يكن يوجين دولاكروا مجرد رسام من القرن التاسع عشر، بل كان روحاً متمردة تسكنها النار التي لم يجد لها العالم وقتها اسماً سوى الفن. كان اللون عنده صيحة احتجاج، والفرشاة سيفاً ضد القيود، يرسم ليقول ما لا يُقال، ويكسر صمت اللوحات كما لو كان يخوض حرباً باسم الجمال.
دولاكروا لم يرسم الجسد فقط، بل رسم الإنسان وهو يقاوم وهو يخاف وهو يحلم من “الحرية تقود الشعب” إلى لوحاته المشرقية، ظل يبحث عن المعنى الأعمق للجمال… الجمال الذي يولد من المعاناة لم تكن ألوانه زاهية بالصدفة، بل كانت مشتعلة بما بداخله من أسئلة عن الإنسان والمصير والعدالة.
كل ضربة فرشاة عنده كانت محاولة لفهم روح الكون، وكل لوحة كانت مواجهة بين الضوء والظل، بين الحرية والخضوع، بين الصرخة والصمت.
لقد آمن دولاكروا أن الفن ليس ترفاً بل موقف وأن الفنان الحقيقي لا يرسم ليُعجب الناس، بل ليوقظهم وحين تقف أمام لوحاته، لا تشاهد مشهداً بصرياً فحسب، بل تشارك في معركة داخلية بين ما تراه العين وما يلمسه القلب.
ربما لهذا بقي دولاكروا خالداً، لأن فنه لم يكن مرسوماً على القماش فقط، بل محفوراً في الضمير الإنساني.
ويأتي ذكر الفنان العالمي عبد الرازق عكاشة في الكتاب ليضيف بعداً نقدياً مختلفاً، إذ لم يتعامل مع دولاكروا كفنان فقط، بل كحالة فكرية تتجاوز حدود الفن إلى سؤال الهوية والوعي والإنسان.
تناول الفنان التشكيلي عبد الرازق عكاشة بأسلوبه الهادئ والمتمعن فلسفة اللون عند دولاكروا وكيف تحولت ضربات الفرشاة إلى حوار بين الشرق والغرب، بين الحلم والواقع، بين الفن والفكرة.
أعاد بناء الصورة من الداخل، وجعل القارئ يطل على التجربة الفنية كرحلة روحية لا كدرس في الرسم وكأنه يقول إن الفن لا يُفهم إلا إذا لامسنا ما وراء اللوحة.
لقد أنصف الفنان التشكيلي العالمي عبد الرازق عكاشة روح الفنان، وأعاد تقديمه بعيون معاصرة تُدرك أن الإبداع ليس ملكاً لعصر، بل هو ميراث الإنسانية كلها، ويُحسب لدار القاهرة الجديدة للنشر أنها أتاحت هذا العمل للقارئ العربي، محافظة على جمال النص ودقته ومقدمة تجربة فكرية وفنية تُعيد الاعتبار لقيمة الترجمة الواعية والنقد الجاد.
بهذا الإصدار ولم تكتفي الدار بنقل فكر أوروبي إلى العربية، بل شاركت في بناء جسر ثقافي بين الفن الغربي والذائقة العربية الحديثة.

رسالتنا:
الفن الحقيقي لا يكتب بالحبر ولا بالريشة، بل بالصدق دولاكروا وعبد الرازق التقيا في هذه النقطة حيث يصبح الجمال موقفاً ويصبح اللون لغة الروح فالإبداع حين يكون صادقاً لا يموت، بل يُعيد للإنسان قدرته على أن يرى نفسه في مرآة الحياة دون خوف.

هيثم جويدة يوجين دولاكروا... حين يصبح اللون سلاحاً للحرية الجارديان المصرية