شحاتة زكريا يكتب : المستقبل يبدأ من هنا.. حين تُصبح البيانات ثروة وطنية
لم يعد النفط هو الذهب الأسود للعصر الحديث ولم تعد الأرض وحدها معيار القوة أو النفوذ. في زمننا هذا صارت البيانات هي الثروة الخفية التي تُدير العقول قبل أن تُحرّك الجيوش ، وتُوجّه الأسواق قبل أن تُصدر القرارات. العالم الذي نعيش فيه اليوم لم يعد يُقاس بمساحة الدولة ولا بعدد سكانها بل بقدرتها على فهم ما تعرفه عن نفسها وتحويل هذا الفهم إلى قوة ذكية تمضي بها نحو المستقبل.
البيانات ليست أرقاما جامدة في جداول الحواسيب بل هي خلاصة حركة المجتمع: ما نستهلكه، ما ننتجه، ما نؤمن به، وما نحلم بتحقيقه. إنها ذاكرة الدولة الحيّة التي تحفظ مسارها وتكشف نبضها. لذلك لم يكن غريبا أن تُصبح الدول المتقدمة أكثر حرصا على أمن بياناتها من حرصها على حدودها. فالمعلومة اليوم يمكن أن تهدم اقتصادا أو تُسقط بورصة أو تشعل حربا بلا طلقة واحدة.
مصر التي تخوض معركة بناء الدولة الحديثة بعقل القرن الواحد والعشرين تدرك هذه الحقيقة بوضوح. حين أطلقت الدولة مشروع “التحول الرقمي” لم يكن الهدف مجرد تيسير الخدمات الحكومية أو تقليل الورق ، بل كان الهدف الأعمق هو تأسيس قاعدة سيادية للمعرفة الوطنية. كل رقم يتم تسجيله.وكل معاملة إلكترونية تُوثّق وكل قاعدة بيانات تُدمج هي في حقيقتها لبنة في جدار السيادة الحديثة.
إن من يملك بيانات مواطنيه واقتصاده وموارده يمتلك مفاتيح التخطيط والاستباق. فالتنبؤ لم يعد ضربا من الخيال بل علم يقوم على تحليل ملايين الإشارات الرقمية التي تُنتجها الحياة اليومية. ومن هنا يأتي الفارق بين دولة تُخطط للمستقبل بدقة وأخرى تُفاجأ به.
الدول التي أدركت مبكرا قيمة هذه الثروة بنت إمبراطوريات رقمية تتحكم في الأسواق والأذواق ، وصدرت للعالم نموذج “الاقتصاد القائم على المعلومة”. أما الدول التي تجاهلتها فصارت أسواقها مكشوفة، واقتصاداتها تدار من الخارج عبر خوارزميات لا تملكها.
لذلك فإن معركة الوعي القادمة ليست في الإعلام أو الخطاب فقط بل في إدارة المعلومة : من يجمعها؟ ومن يحللها؟ ومن يستخدمها لصالح من؟ تلك الأسئلة لم تعد رفاهية فكرية بل هي أسئلة أمن قومي بكل معنى الكلمة.
حين تتحول البيانات إلى ثروة وطنية حقيقية ، لا تكون مجرد أرقام في الحاسوب بل قوة في القرار وعدالة في التوزيع ودقة في الرؤية. هي الثروة التي لا تُنضب لأنها تتجدد كل ثانية مع كل حركة في المجتمع. وإذا كان النفط ينضب فإن البيانات تتكاثر. وإذا كانت الأرض تُقسّم فإن المعلومة تتسع.
مصر اليوم تُعيد تعريف مفهوم الثروة الوطني من الموارد الطبيعية إلى الموارد المعرفية ومن الحدود الجغرافية إلى الحدود الرقمية. المستقبل يبدأ من هنا فعلا؛ من شاشة تضيء بعقل الدولة ومن رقمٍ يتحول إلى رؤية ومن معلومة تُصاغ بوعي وطني لا يقبل الوصاية.
في هذا الزمن من يملك المعلومة يملك القرار.
ومن يحمي بياناته يحمي نفسه.
ومن يفهم أن المعرفة سلطة يبني دولة لا تُهزم.












مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بشارع التسعين بالقاهرة
24 نوفمبر.. الحكم على المتهمين في قضية فيديو الفعل الفاضح على...
«الداخلية»: ضبط 116 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة بالمحافظات
تطلب الطلاق لأنه خانه خانها مع زوجة اخيها
سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم في البنوك
أسعار الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 7 نوفمبر
اسعار الذهب مساء اليوم الأربعاء فى محلات الصاغة
توقيع اتفاقية مصرية إيطالية لإنتاج الغاز الحيوي ودعم الطاقة النظيفة