السبت 12 يوليو 2025 07:39 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. علاء الحمزاوى يكتب : قـــراءة تفسيرية لسورة التين(1)

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ هي من قصار السور آياتها ثماني آيات، سُمِّيت بذلك لورود الكلمة فيها، وهي سورة مكية نزلت قبل سورة قريش، مقصدها التذكير بأن الله خلق الإنسان في أجمل صورة وخلقه على الفطرة السليمة الواردة في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، والفطرة هي الخلقة التي خُلق عليها الإنسان في المعرفة بربه، والمراد بـ{خلق الله} دين الله الإسلام بمعناه الواسع الشامل لكل أديان الأنبياء، ومخالفته فساد وضلال يستوجب العقاب.
ــ ذكرت السورة أشياء مهمة تؤكد أن دين الأنبياء واحد، فذكرت تكريم الله للإنسان والإيمان بالحساب والجزاء بعد البعث، ثم ذكرتِ التين والزيتون للإشارة إلى فلسطين حيث تكثر زراعتهما، واستدعاء فلسطين يستدعي في الذاكرة ذِكر نبي الله عيسى، ثم ذكرتْ طور سيناء، وذِكْر هذا الجبل يستدعي ذِكْر نبي الله موسى، ثم ذكرتْ البلد الأمين، وهو يستدعي ذكر رسول الله، وكل هذا يدل على أن دينهم الأنبياء واحد، وهو ما ألمح إليه حديث مَشَاهد الإسراء، يقول فيه النبي: "أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ، فَسِرْتُ، فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ، فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ سرتُ فقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ، فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ؛ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، ثُمَّ سرتُ فقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ، فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ؛ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى، ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَجُمِعَ لِيَ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ"، ومع أن الحديث ضعيف فإنه يشير إلى أهمية طور سيناء وبيت لحم، وأن الأنبياء دينهم واحد هو الإسلام الوارد في قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}، وهو بمعنى التسليم لله.
ــ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، الواو للقسم، والمُقسِم هو الله، والمقسَم به {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، وهذا يدل على قيمتمها العظيمة؛ فالله لا يقسم إلا بعظيم، والتين فاكهة طيبة، وهو غـذاء ودواء فعَّال يساعد في تقليل الإصابة بأمراض القلب، ويساعد على التوازن في سوائل الجسم، وهو مليِّن للإمساك، ويزيد الخصوبة عند الرجال، وقد أُهدِي للنبي سلّة تين، فأكل ووجّه أصحابه أن يأكلوا منها، ثم قال: "لو قلتُ: إن فاكهة نزلتْ من الجنة لقلتُ: هذه"، ورُوِي أن ورق التين هو الذي استتر به آدم لما هبط من الجنة، وفي ذلك إشارة إلى أمرين: أهمية شجر التين، وقُبح كشف العورة ووجوب سترها ولو بورق الشجر.
ــ والزيتون فاكهة وغذاء غني بالمعادن والأحماض الدهنية الضرورية للجسم، كالصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والحديد والفوسفور والكبريت والنحاس واليود، وهو يُعصَر زيتا، قال الله فيه: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ}، هي شجرة الزيتون تُزرع مليئة بالزيت النافع فيُصبَغ به الخبز ليكون أكثر فائدة للآكلين؛ لذا جاء في الحديث "كلوا الزيت وادَّهِنوا به فإنه من شجرة مباركة"، وفي حديث لم تثبت صحته "نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة"، وتكثر زراعة التين والزيتون في فلسطين ولاسيما في منطقة المسجد الأقصى، وقيل: إن المقصود بـ{التين والزيتون} جبلان في الأرض المقدسة، وهو تأويل بعيد لا يؤيده السياق؛ لأنه لا يُعدَل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل أو قرينة.
ــ {وَطُورِ سِينِينَ}، الواو للعطف، والمعطوف مقسَم به، و{سينين} كلمة أعجمية يراد بها سيناء المصرية، هي أرض الأنبياء مـرَّ بها إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وعيسى ورسول الله، وفي العريش بسيناء فصلت العير الواردة في قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ}، وفي رأس محمد بسيناء مجمع البحرين الوارد في قوله تعالى:{وإِذ ْقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى ٰأَبْلُغ َمَجْمَعَ الْبَحْرَيْن ِأَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}، وعبر سيناء جاء الفاتحون المسلمون إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص، وفيها أقيمت أول صلاة لعيد الأضحى في مصر، ومن سيناء انطلق الجيش المصري إلى الشام لتحقيق النصر على الصليبين والتتار، وفيها انتصر الجيش المصري على إسرائيل 1973
ــ والطور هو الجبل المعروف فيها، وقد ذُكِرتْ سيناء في القرآن مرتين، وذُكِرَ الطور تسع مرات، منها قوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ}، وقوله تعالى لليهود: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} ليستظلوا به من حرارة الشمس، وهو من باب الإنعام الإلهي عليهم، لكن لماذا أقسم الله بالطور؟