السبت 27 يوليو 2024 08:11 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : حديث لصديق في عالم الغيب !!

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم
الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

قرائي الأعزاء : أستأذن حضراتكم في أن أوجه مقالي هذا عبر منصتي الغراء ( الجارديان) لرثاء صديقي وأخي الكبير الأستاذ محمد عبد الخالق أحمد عابد ، من أعيان قريتي ( الرجدية مركز طنطا محافظة الفربية ) أحد أبرز رجالات المحاماة ذائعي الصيت والمكانة والحيثية، والذي وافته المنية غرة شهر رمضان المبارك ، ولعلها سانحة لمن له صلة بى، أيّا كانت، قرابة، زمالة ، مودة، محبة ... من أجل أن يوّاسينا، ويسلينا في هذا الخطب الجلل بالدعاء له والترحم عليه .

لا اخفي سرا أني أسأل نفسي منذ لحظات الوداع المؤلمة ، عن الطريقة المثلي للحزن علي هذا الصديق بالغ القيمة علي أهل قريتي ، بل وعلي كل من يعرفه ، هل البكاء عليه هو تلك الطريقة التي يجب أن تكون ؟ وبماذا أفادت كميات البكاء الغزيرة التي زرفاتها العيون أثناء حفلة الوداع.

والله لو كان البكاء هو طريق الرثاء والتكريم لبكت قريته دوما وأبدأ، رجالها وشيوخها ، قبل نسائها وأطفالها ، حتي أبيضت أعينهم من الحزن؟
هل التسليم والاحتساب والدعاء له بالمغفرة والرحمة والسكن مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء هي الطريقة المثلي ، والتي تفيد المتوفي ، وتريح المنتظر ؟ اعتقد ذلك .!!
لذا ادعو كل من انهمرت دموعه طوال الستة أيام التي مرت علي فراقه ، لوقف انهمار الدموع من العيون ، وتحويل مجري الحزن إلي دعوات . أملا في عفو ومغفرة تلحقه بالصالحين.

أعلم أنه من الصعوبة بمكان التخلي عن الدموع ، لا سيما ممن أصيبوا بذلكم الفقدان الأليم ، ولكن إرادة الله وقدرته علي الربط علي قلوبهم كفيلة بوقف نزيف تلك الدموع . فاللهم اربط علي قلب كل باكي عليه.

والفرصة سانحة بعد تجفيف دموعي الفطرية والتزامي طريق الدعاء ، أن أوجه حديثي لصديقي في عالم الغيب ، إيماناً مني بأنهم يسمعوننا ولا نسمعهم !!
أخي الكبير.. ستة أيام مرت وكأنها ستة أعوام أو ستة قرون ، فترة بالحساب قد تكون بسيطة ، ولكنها في حقيقة الأمر مدة طويلة بطول غيابك عنا صديقي الكريم.

صديقي العزيز : هل أنت راض عن تنظيم حفلة وداعك ومشهد رحيلك وطريقة سفرك ؟
هل برهنت فيضانات الدموع التي زرفت من أعين الرجال قبل النساء علي جانبي الطريق من مسجدكم حتي مكان إقامتك علي ماكنت عليه بيننا من مكانة مرموقة ، وما ستبقي عليه وسطنا مستقبلاً قامة سامقة ؟!!

ما رأيك في صوان الحفل وقد اكتظ بعظماء المحافظة من الرجال الشوامخ الكبار أصحاب الجلاليب الثقيلة التي لا يرتديها الا من كملت رجولته وعظمة مكانته ؟

هل رأيت التنافس الشريف في الحضور بين رجال قريتك الأم ( الرجدية ) وقريتك الثانية ( نفيا) وقد ازدان الصوان باصطفاف الجميع كتف في كتف وعين في عين ، الجميع مذهولين من جلال المشهد والروحانيات التي غلفت المكان ،
وألزمت الجميع السكون إجلالا للموقف المهيب .

لسنا وحدنا صديقي الكريم الذين بكينا عليك بحرقة وغصة. بل جموع أهالي الدائرة الذين حدثوني هاتفيا بعد نشر رثائي لك وقد حالت ظروفهم من حضور حفلة الوداع وزفك إلي مكانك الجديد .

الرجولة والشهامة والأصالة ايضا بكت عليك ، الرجدية كلها بشجرها وزرعها وطرقها واحواضها ، كلها بكتك بحرقة
ألم يترجل عظيم من عظمائها !؟

قاعات المحاكم هي الأخري ستبكيك يا أستاذ ، ألم تفتقد فيك مدرسة بكاملها؟

اخي الكريم أين سنجد بعدك تواضع العظماء ووقارهم ومهابتهم؟. من أين بعدك بشجرة معطاء وارفة الظلال ثمارها علم وتواضع وسخاء وأريحية تجاه الجميع.

يا للرزء الذي حل بالشموخ المتواضع ، والكرم المتدفق ، وحب الآخرين وقد فقدوا فارسهم الذي لا يشق له غبار..

يا لبؤس رمضان ولياليه وقد غابت عنها طلعتك البهية المنيرة ومشاركتك الفاعلة في تقديم كل الدعم للمحتاجين ولشباب الدعاة بأن يقدموا كل إبداعاتهم علي منبر مسجد عائلتك والذي لم تبخل عليه بشيء حتي مصروف نجلتك الذي كان في حصالتها .

صديقي الكريم زرفنا عليك الدمع وتجرعنا الألم وزلزلنا برحيلك زلزالا شديدا ، وتواعدنا وتعاهدنا علي عدم نسيانك ، فنم هنيئا قرير البال وأنت الذي سرت باتجاه ملك الملوك على درب المحجة البيضاء الذي رسمته لنفسك وسرت عليه كما رسمه وسار عليه من قبلك أجدادك وآباؤك المنعمون.

وداعا صديقي رغم اني لا أطيق الوداع ولكن ما الذي بمقدورنا أن نفعله أكثر من التسليم بقضاء الله وقدره والسير في صحراء الحياة من بعدك وأنت الذي ستبقى في قلوبنا وذاكرتنا إلى الأبد حتى بعد أن نودعك؟

ودعناك ولا عين إلا وهي عين من البكا ، ولا خد إلا للدموع به خد.
صديقي العزيز أرجوك لا تضن علينا بالزيارة المنامية لعلها تجفف دموع زوجتك المدارة ، أو تعيد اتزان شقيقتك المنهارة.

زف الينا بشري اجتياز الامتحان بنجاح ، نأمل أن يكون دعائنا وخير عملك سببا في تثبيت لسانك علي الإجابة الصحيحة بطلاقة كما عودنا لسانك في الحياة . ننتظر البشري في رؤيا حتي نزفها لجموع محبيك في مقال قادم ، لعلهم يحذو حذوك في الرجولة والشموخ الجميل والعمل الصالح والتجارة مع الله .

صديقي العزيز : أفهم أنك تعي بأنك ما ذهبت قبلنا لنقص فيك ، ولا لقيمة لنا ، بل هي آجال مقدرة ، فكل إبن أنثى وإن طالت سلامته ، يوما على آلة حدباء محمول ، إنه مصير كل نفس ، فلا بقاء إلا لله الواحد الحي الذي لا يموت .
هكذا قضى الله : فلله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى .. فعال لما يريد ( يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) نحمده على حسن خاتمك ، والله نسأل أن تكون روحك مع من شملتهم الآية الكريمة: ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ).

ذهبت إجابة لداعي الله .. ولا راد لقضاء الله .. رحلت إلى الرفيق الأعلى .. بعد أن أديت ما عليك من واجبات تجاه الله وتجاه خلق الله وتجاه أسرتك .. تركت الدنيا بعد أن جعلتها مطية للآخرة . والله أسأل أن تكون مع الذين اوافهم الله أجورهم وزادهم من فضله، فاللهم وفه أجره وزده من فضلك ، واجعله من الذين قلت في حقهم : ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور.

قبل أن أنس: أود أن أبشرك ( يا أبا علي ) أن نجليك ،( المحاسب علي والدكتور لؤي ) أديا ما عليهما بكفاءة عالية ، صل عليك علي وهو رابط الجأش محتسب الأجر ، وأثبت للجميع سريان الدين في عرق الأولاد ، وما نسي أن يرتدي الجلباب البلدي الأنيق ليثبت بما لا يدع مجالا للشك امتداد عرق الرجولة في الأسرة ، بينما كان لؤي أنيقا مثلك ، ليتجاور النموذجان مقدمان تأكيدا عمليا علي صدق المقولة المأثورة "إللي خلف ما مات" !!
ونحن على يقين من أنهما سيكونان أهل لتحمل المسؤولية – وما أصعبها – لكنهما بإذن الله سيكونا خير خلف لخير سلف .
اللهم إن عبدك محمد عبد الخالق عابد ، كان يتمني أن يلحق برمضان ، وعزتك وجلالك دعا ذلك قبل الوفاة بثلاث ساعات ، وقد حال تلبيته نداء العوده إليك دون شهود رمضان فاللهم نسألك بفضلك أن تتعطف عليه وأن تعطه أجر من قام رمضان إيمانا واحتسابا ، وأنت سبحانك أعلم بنيته ومراده. وهو الآن ضيف عندك وأنت أكرم الأكرمين .. فاللهم أكرم مثواه وأبرد مضجعه ووسع نزله وتقبله مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، واعف عنه واغفر له بفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد و آله وصحبه أجمعين ، ولا تحرمه شفاعته ، والشرب من حوضه ونحن معه بإحسان منك يا أرحم الراحمين ، والحمد لله رب العالمين.