خالد درة يكتب : بالعقل أقول...( مالآخر ... لا إعمار عربياً لغزّة فى وجود”حماس” ..! )


بدأ الضغط في مسألة التهجير يتفرمل بعد موجة رفض وإدانة كبيرة ، عربياً ودولياً ، وقبل لقاء ترامب مع الملك عبدالله الثاني الذي أعلن خلاله أن هناك "خطة عربية" تعدّها مصر ، بتزكية من السعودية والدول الخليجية ..
و اضطرّت الإدارة الأميركية للتريث ، أو التراجع موقتاً ، عن الضغط لترويج خطة إسرائيلية تبنّاها دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة .. والأسباب كثيرة : إذ أصبح تقليداً أن يُطلق الرئيس تصريحات متطرّفة وأن يبادر أعضاء الإدارة إلى عقلنتها ، بالنفي المبطّن أو بالتخفيف من اندفاعه والإيضاحات المبهمة .. هذا لا يمنعه من تكرار أفكاره والإصرار عليها ، فيما يترك مبعوثيه يقومون بعملهم. يحدث ذلك في شأن البحث عن سلام في أوكرانيا ، وحدث أيضاً في مُهلٍ "جهنمية" حددها لإطلاق الأسرى في غزّة ، حتى إن مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف أطلق كلاماً من نوع "صدّق أو لا تصدّق!"، إذ قال إن الهدف من "خطة غزّة" ليس "التهجير"..
بدأ الضغط في مسألة التهجير يتفرمل بعد موجة رفض وإدانة كبيرة ، عربياً ودولياً ، وقبل لقاء ترامب مع الملك عبدالله الثاني الذي أعلن خلاله أن هناك "خطة عربية" تعدّها مصر ، بتزكية من السعودية والدول الخليجية. على إثر ذلك لم تنل الخطة أو بالأحرى "اللاخطة" الترامبية سوى التأييد الإسرائيلي الذي يورّط واشنطن أكثر مما يدعمها ، نظراً إلى تعقيدات قانون-دولية تراوح بين استعمار شعب بحجّة دمار شامل يعطي القوة المدمِّرة ( إسرائيل - الولايات المتحدة ) "حق" الاستيلاء على أرضه ، وبين إثبات ارتكاب الإسرائيليين مع الأميركيين إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً .. صحيح أن العقل الترامبي لا يتوقف عند هذه الاعتبارات الحقوقية ، طالما أن هناك مشروع تطوير عقاري يراه ممكناً ، إلا أنه فوجئ بوجود استعداد لطرح "خطة عربية" مضادة ، ولا بدّ من أن يعطيها فرصة قبل أن يقرر إمّا إحباطها أو ربما طلب إشراك أميركا وإسرائيل فيها ..
خطة "إعادة إعمار غزة من دون تهجير أهله" هي البديل العربي من إعادة ترامب إعماره للآخرين من دون أهله ، والبديل من مشاريع الاستيطان الإسرائيلية .. والدول التي تتبنى هذه الخطة تُوصف عادةً بأنها "محور الاعتدال العربي" الذي يضمّ أصدقاء قريبين إلى الولايات المتحدة في مواجهة "محور الممانعة" الإيراني .. منذ ما يقرب من ربع قرن رعت واشنطن التنسيق الأمني بين دول الاعتدال وإسرائيل ، على طريق تطبيع العلاقات في ما بينها .. لكن ، للمرة الأولى ، وبسبب الحرب على غزّة ، يظهر التباين جلياً بين معتدلي العرب ومتطرّفي إسرائيل ، سواء في تقويم السلوك الإسرائيلي عموماً أم تحديداً في خيارات ما بعد الحرب .. لا يمكن واشنطن أن تتجاهل وضعاً كهذا ، خصوصاً بعد "بيان الفجر" السعودي الذي قال بوضوح إن لا تطبيع مع اسرائيل من دون مسار لإقامة دولة فلسطينية ، ولا بدّ من أن ترامب أدرك ما يعنيه الرفض العربي القاطع لفكرة التهجير من خلال العاهل الأردني واعتذار الرئيس المصري عن عدم المشاركة في نقاش للتهجير في البيت الأبيض ..
و في اجتماعات "تنسيق" سابقة حصد المعتدلون العرب خيبات أمل ممن يُفترض أنهم "شركاء" أميركيون يحرّضون ضد إيران فيما هم يحابون النظام الإيراني سعياً إلى اتفاق نووي ، أو إسرائيليون يعدون بأخذ وجهات النظر العربية في الاعتبار لكنهم يتصرفون عكسها تماماً في تعاملهم مع الفلسطينيين سلطةً وشعباً .. هناك أسبابٌ لإدامة هذا التنسيق ، أهمها الارتباط بأميركا وتبادل المعلومات الأمنية، وإنْ اختلفت السياسات .. لكن إسرائيل أطلقت العنان لوحشيّتها في غزّة ، كما في تحدّي دول الاعتدال العربي ، حتى بدت كأنها تحرق الجسور معها ، إذ لم تستجب دعوات إلى وقف الحرب أو إلى إدخال المساعدات والبحث الجديّ في "اليوم التالي" بعد الحرب. بل إن الحوار الدائم مع القاهرة لم يحُل دون احتلال "محور فيلادلفيا" في مخالفة صريحة للبروتوكولات المبرمة بين الطرفين .. وذهبت إسرائيل بعيداً في إبداء الضيق من مصر بسبب رفضها المبكّر لتهجير الغزّيين ، كذلك في الادّعاء الكاذب بوجود "خروقات مصرية" لمعاهدة السلام بين البلدين كردٍّ على الخطة المضادة المصرية لإعمار غزّة بدءاً بتمويل خليجي ..
القمة المصغّرة في الرياض بداية الطريق إلى خطة عربية يُفترض أن تصادق عليها القمة الطارئة في القاهرة .. ليس مفاجئاً أن يكون هناك تقدير بأن "لا إعادة إعمار" مع استئناف إسرائيلي متوقّع للحرب ، ولا بوجود "حماس" وسلاحها ومشروعها في القطاع .. هذا يتطابق ، موضوعياً ، مع الهدف الإسرائيلي - الأميركي ، مع فارق أن الأخير سيتم بمزيد من التقتيل والتدمير وصولاً إلى التهجير ، أما التوجّه العربي فينطلق من المسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته ، ويضع "حماس" والفصائل أمام الخيار الصعب : المجازفة بمحو غزّة وهويتها وتمكين أميركا وإسرائيل من استملاكها بالقوّة ، أو المساهمة في بقائها عربية وفلسطينية .. مارست المقاومة حقّها في مواجهة الاحتلال وكانت الحرب غير متكافئة ، ولن تكون متكافئة في أي وقت .. لذا وجب استخلاص العِبَر.