حسين السمنودى يكتب : ترامب والفوضى الأمريكية: بين استعراض القوة وتفكيك الدولة


منذ صعوده إلى سدة الحكم عام 2016، أحدث دونالد ترامب زلزالًا سياسيًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، مستغلًا خطابًا شعبويًا يعتمد على استقطاب الجماهير وإثارة المخاوف. لكنه لم يكن رئيسًا عاديًا، بل شخصية صدامية قراراته غير محسوبة، وتحركاته تثير القلق بين الحلفاء والخصوم على حد سواء.
وفي ولايته الأولى، انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وشن حربًا تجارية على الصين وأوروبا، وفرض عقوبات على خصومه بلا حساب، وأشعل توترات دبلوماسية مع الحلفاء التقليديين، مثل كندا وألمانيا وفرنسا. داخليًا، عزز الانقسامات العرقية، وروج لنظريات المؤامرة، ووصلت سياساته إلى ذروتها حين اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول، في مشهد هز صورة الديمقراطية الأمريكية أمام العالم.
وبعد خسارته الانتخابات أمام جو بايدن عام 2020، لم يعترف ترامب بالنتيجة، وظل يروج لنظرية "الانتخابات المسروقة"، مما أدى إلى محاكمته سياسيًا، لكنه رغم ذلك، لم يختفِ عن المشهد، بل واصل تحركاته ليعود رئيسًا مرة أخرى. وفي عام 2024، نجح في استعادة البيت الأبيض، مستغلًا تراجع شعبية بايدن، والأزمات الاقتصادية التي ضربت أمريكا، والتوترات الدولية المتزايدة.
وفي ولايته الثانية، جاء ترامب أكثر عدوانية، وأكثر رغبة في إثبات قوته، فبدأ بسياسة تهديدية تجاه العديد من الدول. فرض عقوبات مشددة على الصين، وهدد الاتحاد الأوروبي بالانسحاب من حلف الناتو إذا لم تتحمل الدول الأوروبية المزيد من الأعباء العسكرية، ولوّح باستخدام القوة ضد إيران وكوريا الشمالية. حتى الدول الحليفة، مثل السعودية، لم تسلم من ضغوطه الاقتصادية، حيث أعاد الضغط على أوبك لخفض أسعار النفط، وواصل سياسات الابتزاز المالي تحت شعار "أمريكا أولًا".
أما تجاه الشرق الأوسط، فقد استمر في دعمه غير المشروط لإسرائيل، متجاهلًا أي دعوات للتهدئة، وواصل تحركاته لعزل إيران دبلوماسيًا وعسكريًا. كما حاول استغلال بعض الملفات الاقتصادية والأمنية للضغط على الدول العربية، لكنه اصطدم بموقف مصري واضح، حيث رفضت القاهرة الخضوع لأي ابتزاز سياسي أو اقتصادي.
وفي ظل هذه السياسات، لم يكن مستغربًا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يذهب إلى أمريكا، إدراكًا منه لحالة الفوضى التي تعيشها السياسة الأمريكية. السيسي، الذي يتمتع برؤية استراتيجية عميقة، يدرك أن مصر ليست دولة تابعة، بل قوة إقليمية قادرة على حماية مصالحها دون الحاجة إلى الرضوخ لأي ضغوط. السياسة المصرية تقوم على التوازن، وعدم الانجرار إلى استقطابات حادة، خاصة مع رئيس مثل ترامب، الذي يتعامل مع السياسة بمنطق الصفقات والتهديدات.
ترامب في ولايته الثانية أكثر خطورة من الأولى، لأنه جاء ليكمل مشروعه الذي بدأه عام 2016، وهو إعادة تشكيل النظام الدولي وفق رؤيته الشخصية، دون اكتراث بحلفاء أو خصوم. لكن العالم اليوم ليس كما كان قبل ثماني سنوات، فالصين أصبحت أكثر قوة، وروسيا أكثر تحديًا، والدول العربية، وعلى رأسها مصر، أكثر استقلالية في قراراتها. لذلك، فإن سياسة التهديد والابتزاز التي ينتهجها ترامب قد لا تؤدي إلا إلى مزيد من العزلة للولايات المتحدة، في وقت يتغير فيه ميزان القوى العالمية بسرعة.
قد يكون ترامب رئيسًا مثيرًا للجدل، لكنه ليس الزعيم الذي يستطيع إعادة أمريكا إلى مجدها، بل ربما يكون السبب في تسريع تفككها، إذا استمر في سياساته العدوانية، سواء داخليًا أو خارجيًا.