الأحد 4 مايو 2025 12:52 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

اللواء عاطف المرصفاوي يكتب : أغرب القضايا (١) {{عندما ينطق الكلب}}

اللواء عاطف المرصفاوي
اللواء عاطف المرصفاوي

فلنبتعد قليلاً عن عناء ما نراه من أكاذيب يبثها إعلام كاذب ويقوم بتزييف وعي الناس - ولنعود الى أرض الواقع حيث الحقائق والحقيقة بجد ٠
هذا وفي إطار ذلك نستكمل عرض أهم وأغرب القضايا التي صادفتني خلال رحلتي الطويلة في أعمال البحث الجنائي - فهذه قضية قتل محيرة وبشعة وكنت أعمل وقتها رئيساً لمباحث قسم شرطة قنا بجنوب الصعيد - ولأننا ذكرنا قسم شرطة قنا - أقول أنه كان معي في ذلك الوقت معاونان للمباحث هما النقيبان عادل المصري
و محمد توفيق - وأشهد أنهما من أكفأ الضباط الذين عرفتهم طوال خدمتي ٠
هذا وتبدأ القضية عندما حضر إلى مكتبنا ظهر أحد أيام الشتاء الأستاذ {م} وهو رجلاً عمره 45 عاماً ويعمل نائباً لمدير أحد البنوك بمدينةقنا - وأبلغني بتغيب زوجته الطبيبة من أول أمس بعد خروجها من عملها بالمستشفي بمدينة قنا وكان الرجل في حاله حزن وتأثر شديدين - وقال : أنا قلقان على مراتي ودورت عليها في كل مكان ومش لاقيها وأنا خايف يكون حصل لها حاجة واحنا عندنا أطفال ٠
فسألته عما إذا اذا كان لزوجته خلافات مع أحد فقال :
فيه خلاف بينها وبين أخوها بسبب الميراث بس ما فيش غير كده فقمت بتهدئته ووعدته بأننا سنبذل أقصى جهودنا للتوصل إليها إن شاء الله - هذا وقد إنتويت بالفعل الإهتمام بهذا البلاغ - وذلك على غير العادة في حالات الغياب لأنها كثيرة وغالباً ما يعود الغائبون ٠
و هنا قمنا بإجراء التحريات السريعة حيث تبين الآتي :
•الزوجة طبيبة شابة عمرها 35 عاماً وهي أصلا من مدينه طنطا بالغربية واستقرت هي وأسرتها بمدينة قنا نظرا لظروف عمل والدها - وأنها تزوجت عن حب من زوجها كما وأنها تتمتع بسمعه طيبة ولديها 3 اطفال أكبرهم عمره 12 عام - وليس لها خلافات مع أحد سوى خلاف مع شقيقها فعلا بسبب الميراث ٠
وتبين أيضاً من الفحص والتحريات - أنه قد حدثت مشاجرة بين الغائبة وشقيقها في اليوم السابق على تغيبها بسبب الميراث - وعندها هددها بالقتل إن لم تسمع كلامه - وكانت هذه المشاجرة بمحل عملها على مرأى ومسمع من جميع زملائها الأطباء الأمر الذي يثير مبدئياً بالشك بل توجيه الإتهام إلى هذا الأخ الذي يبلغ من العمر 45 عام وهو مهندس بشركه المقاولين العرب - فأجرينا عنه التحريات السريعة - حيث تبين أنه من مدمني المخدرات خاصة مسحوق الهيروين - وأن سمعته مشبوهة كما وأنه يعبد المال عبادة - وهنا يكون الأمر واضحاً بأن الأخ دخل كما قلنا دائرة الإتهام بقوة ٠
فقمنا بإستدعائه وبمناقشته أنكر بشدة علاقته بواقعة إختفاء شقيقته وقرر أن ما حدث بينه وبينها بالأمس هي مجرد مشادة وانفعالات عادية تحدث في مثل هذه الامور ٠
وبدأنا هنا في وضع شقيق الطبيبة المختفية تحت المراقبة الدقيقة - فضلاً عن إجراء التحريات العميقة والواسعة عنه وعن جميع ظروفه - هذا في الوقت الذي كان يتردد على مكتبي الزوج المبلغ والذي إتهم صراحة شقيقها بأنه هو الذي وراء إختفائها معللاً ذلك بالمشاجرة التي حدثت بينهما قبيل إختفائها ٠
إلا أن تحرياتنا أكدت عدم صلة هذا الأخ بموضوع إختفاء شقيقته - هذا وبعد مرور 10 أيام على البلاغ - تم العثور على جثة لسيدة في أحد الترع بقنا وتبين أنها جثة مشوهة من أثر تواجدها بالمياه - هذا ووفق المتبع عرضنا الجثة على الزوج المبلغ فقد تكون زوجته وتتغير هنا خطه البحث وعندما شاهدها أكد أنها هي زوجته بالفعل - وقد علل سقوطها بالمياه بأنها مريضة سكر وقد يكون جالها غيبوبة السكر وسقطت بالترعة الواقعة مباشره على الطريق الموصل للمسكن ٠
المهم بعد ذلك تبين أن البصمات الخاصة بالجثة ليس لها صلة بالزوجة المختفية ٠
هذا ولم يتبق من إجراءات الفحص والتحريات سوى فحص الزوج نفسه - وقد قمنا بذلك بالفعل وقد تبين من التحريات وفحص المذكور :
• أنه على علاقة حب بطبيبة زميلة لزوجته وأنه كان يريد الزواج منها إلا أنها إشترطت عليه تطليق زوجته لإتمام هذا الزواج - هذا وبدأ الشك يجول بخاطري نحو هذا الزوج المريب ٠
هذاوفي صباح أحد الأيام تعمدت أن أتوجه من الإستراحة مباشرة إلى منزله لاستكمال فحصه
ولكي أعاين مسكن الزوجية والذي يعد قاسما مشتركاً فيما بين الزوج وبين الزوجة المختفية وغالباً ما تجد فيه روائح الجريمة وآثارها إن كانت هناك جريمة قد حدثت بالفعل ٠
هذا وقد فوجئ الزوج بي وكان مع النقيب محمد توفيق فارتبك بشدة فقلت له : احنا جايين بس ندردش معاك شويه ونشرب فنجان قهوه فقال على مضض : تفضل - فقلت له : احنا هانقعد في الجنينه هنا عشان
مانعملش قلق لحد فقال تفضلوا وسابنا وراح يعمل القهوه - وهنا لاحظت أن الكلب الخاص بالأسرة يقوم بالنهش بقوة في تراب في جانب من الحديقة - الأمر الذي لفت إنتباهنا - هذا وقد كرر الكلب فعلته هذه كثيراً لدرجة أنه بدأ ينبح أثناء نهشه التراب ثم يجري نحو سلم البيت و يعود لينهش مرة أخرى في التراب وينبح فتوجهت بالقرب منه ولاحظت وجود آثار لحفرة والتراب يغطيها - وفي هذه الأثناء حضر الزوج حاملاً صينيه عليها فناجين القهوة وعندما شاهدني أقف قريبا من الكلب عند الحفره فلاحظت عليه الإرتباك الشديد وكادت تقع منه صينية القهوة - ثم قال : تعالى يا باشا أقعد - وراح ماسك مقشة وضرب الكلب بشدة وطرده ثم جلس - فوجدت كل تركيزه على المكان الذي كان ينهش فيه الكلب ٠
وسألته في إيه هناك يا استاذ {م} فتلعثم وقال : أبدا
مفيش حاجه - وبرده عينه مركزه على نفس المكان - وهنا تملكني إقتناع بأنه يريد إخفاء شيء ما قد يكون متعلق بالزوجه المختفية ٠
فما كان إلا أنني إستدعيت المخبرين من البوكس الذي كان موجوداً بالخارج ووجدنا فأسا بالجنينة وقاموا برفع التراب - فاذا بجثة الزوجة ملفوفة ببطانية تطل علينا مهشمة الرأس تماما ٠
هنا ولم يجد الزوج مفرا إلا أن يعترف وقال :
•أنا حبيت زميلة مراتي ولكن هي كانت طلبت مني أطلق مراتي الأول عشان نتجوز وأنا ماينفعش أطلقها لأن عندنا أطفال وكمان ما فيش سبب لكده - وبعدين فكرت في قتلها وانتهزت فرصة خناقتها مع أخوها اللي هددها يوميها بالقتل - وواصل الزوج اعترافاته وقال : لقيتها فرصه واتخلص منها والتهمه هتلزق في اخوها على طول لان خناقته وتهديده لها بالقتل كانت قدام كل زمايلها ،وواصل الزوح وقال : بعد ما رجعت من الشغل والعيال كانوا في المدرسه قابلتها على السلم وهي طالعه لاودتها فضربتها على راسها بالشوم لغاية ما ماتت ورحت لففها في بطانيه وعملت حفره في الجنينه وحطيتها فيها - وبعدها بالليل بلغت أهلها وقعدت أدور عليها معاهم لغاية ماجيت بلغتكم بغيابها القسم ٠
هذا وقد أرشدنا على ملابسه التي كان يرتديها وقت الحادث والتي لوثت بدماء القتيله - وكذا أرشدنا على الشومة المستخدمة في القتل
وسألت المتهم ولماذا كنت تصر على أن جثة السيدة التي عثرنا عليها بالترعة هي جثة زوجتك !! فقال : انا لما لقيت التهمه مش هتلزق في أخوها قلت نخلص وخلاص ونعتبرها ماتت في الترعة ٠
قد أمرت النيابة بحبسه بعد أن قام بتمثيل كيفية إرتكابه الحادث بالصوره التي أشرنا إليها سابقاً - حيث قدم إلى محكمة جنايات قنا محبوسا وحكم عليه بالإعدام شنقاً ٠
وأقول هنا أن هذه نهاية الجريمة والإنسياق وراء رغبات الشيطان - فإنه حقا الضياع الذي لاضياع بعده - فهنا فقد
{قتلت الأم}
و{أعدم الأب}
و{ضاع الأطفال
في بحور اليتم والوحدة - ومعهم {عار جريمة أبوهم} الذي سيظل يلاحقهم طيلة حياتهم ٠
اللهم اهدنا وأهدى بنا إلى الحق والصراط المستقيم -
وما نقول في النهاية إلا أن الفضل كله لله رب العالمين وحده وما نحن سوى مجرد أسباب سخرها الله تعالى لتنفيذ إرادته ٠