الأحد 4 مايو 2025 11:49 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. القس جرجس عوض يكتب : لا لربط الدين بالجريمة ”قضية الطفل ياسين”

د. القس جرجس عوض
د. القس جرجس عوض

شهدت الساحة المصرية خلال الأيام الماضية حالة من الجدل والاهتمام الواسع، بعد صدور حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على متهم يبلغ من العمر نحو ثمانين عامًا، بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل في السادسة من عمره داخل إحدى المدارس بمحافظة البحيرة، شمال القاهرة.

ورغم أن قضايا التحرش ليست جديدة على المجتمع، وقد تورط فيها أشخاص من خلفيات مهنية ودينية واجتماعية مختلفة – إلا أن هذه القضية تحديدًا اتخذت منحًى مغايرًا وغير مألوف، لعدة أسباب جوهرية.

مثل حملة إعلامية غير مسبوقة

ما يثير الريبة أن القضية تحولت إلى ما يشبه “المسلسل المنظَّم”، حيث شُنّت حملة إعلامية غير معهودة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدا واضحًا أن الهدف منها شحن المجتمع المصري بطائفية مقيتة.

ولم تقتصر الحملة على الصفحات الشخصية، بل تبنّتها قنوات معادية للدولة، أبرزها القنوات الإخوانية التي ضخّمت القضية، واعتبرتها قضية رأي عام، بمشاركة بعض القنوات الإخبارية العالمية التي روّجت للقضية بأسلوب مثير للفتنة.

ومما زاد من خطورة الأمر، التحريض المباشر على النزول والتجمهر أمام المحكمة بهدف ممارسة ضغط شعبي، في مشهد غير مألوف في مثل هذه القضايا. وقد رفع أحد المتضامنين لافتة كُتب عليها: “في ستة غيره، دوروا عليهم،،”.

تساؤلات مشروعة

اللافت في هذه القضية هو حجم الزخم غير المبرر، لهذه القضية مما يطرح تساؤلات مشروعة لا بد من التوقف عندها:

هل من المعقول أن رجلاً مسنًا، في الثمانين من عمره، ويعاني من أمراض مزمنة مثل القلب والضغط، يمكنه تنفيذ جريمة كهذه؟ وهو مدير مالي للمدرسة ليس له خلطة بالأطفال !

ثم أين كان صوت الطفل؟ لماذا لم يصرخ أو يستغيث؟

أين كانت والدة الطفل بعد عودته من المدرسة؟ هل يُعقل أن تكتفي بتقديم شكوى دون أي انفعال أو تصعيد؟

هل من المنطقي أن تتستر مديرة المدرسة على جريمة كهذه؟ وإن افترضنا ذلك جدلًا، فهل يمكن أن تتواطأ معها المعلمة المسلمة، والناني دميانة ومن ثم هيئة التدريس بالكامل؟

هل يُعقل أن يتواطأ ضباط المباحث ومأمور القسم في التستر على الجريمة؟ ما مصلحتهم في ذلك؟

وما مصلحة وكيل النيابة في حفظ القضية؟

ثم لماذا أشار تقرير الطب الشرعي، المؤرخ في 28 أبريل 2025، إلى عدم وجود إصابات جسدية على جسد الطفل؟ومن ثم تم حفظ القضية

كل هذه الأسئلة تؤكد أن هناك من يسعى إلى صناعة الازمة، لا لحماية طفل، بل لتدمير مجتمع بأثرة وذلك بزرع بذور فتنة طائفية في جسد الوطن الواحد بعد حالة من الامن والاستقرارالذي صنعته ايادي المصريين بعد 30/ 6 مع القيادة السياسية

الحكم… والسياق السياسي

لقد قامت ام الطفل ياسين بتقديم تظلم ومن ثم تم تحديد موعد للقضية

السؤال الأهم: لماذا صدر الحكم من الجلسة الأولى؟ علي غير المعهود هل لتهدئة الرأي العام؟ أم أن هناك ضغوطًا خفية فرضت هذا الإيقاع السريع للقضاء؟ هذا ما تجيبه الايام القادمة !

مصر أكبر من الفتنة

لا تاتي الفتنة الا من الحمقى والسفهاء والجهال والمغيبين في المجتمع، وان انتشرتفهي مثل النار في الهشيم تحرق وتدمر كل من حولها ولا يقوم باشعالها الفاسدون في ذواتهم، وينشرون الإشاعات والأكاذيب ويثيرون المشكلات على كل المستويات الاجتماعية سواء مع المجتمع او مع الأصدقاء، او في قرية، او في المدينة او في مؤسسة تعليمية واذا ركب الفساد الفتنة فلا يدع أحداً إلا آذاه وأصابه بشر..

ومن هذا المنطلق نؤكد بكل وضوح أن مصر نسيج واحد لا يتجزأ، وأن الجرائم الفردية لا تُعبّر عن الدين، بل هي انحرافات شخصية يُحاسَب مرتكبوها أمام القانون، دون النظر إلى خلفياتهم الدينية أو الاجتماعية.

كما نرفض استغلال هذه القضايا لتشويه سمعة ومؤسسات الدولة، أو إرباك القيادة السياسية التي تمضي بثبات نحو تحقيق أهداف التنمية والاستقرار.

ومن ثم نحن لسنا بصدد الدفاع عن المتهم، فإن كان مذنبًا، فنحن أول من يطالب بمعاقبته. لكن الضمير المجتمعي وضمير العدالة الانسانية يرفض تماما أن يتحول هذا الرجل المسن صبري كامل إلى “كبش فداء” لإطفاء فتنة مصطنعة.

لذلك ادعو رجال الأمن والعدالة وكل أجهزة الأمن والجهات المعنية بالتصدي لكل من يحاول إشعال نار الفتنة في هذا الوطن. فمصر ستبقى عصيّة على السقوط، مهما حاول الحاقدون والمتربّصون لها .

حفظ الله مصر والمصريين من كيد المتآمرين، وأدام على هذا البلد الأمن والامان والاستقرار.

د. القس / جرجس عوض

كاتب ومفكر مسيحي