الأربعاء 14 مايو 2025 05:50 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الناقد المغربي د.أحمد بلخيري يكتب: الكاتب المسرحي عبد اللطيف فردوس و تجلي بنية التحديث المواكب للزمان في النص المسرحي ”فاوست الذي...”

الناقد المغربي د.أحمد بلخيري
الناقد المغربي د.أحمد بلخيري

ان قارئ المتن الإبداعي المسرحي " فاوست الذي…،" لعبد اللطيف فردوس الكاتب المسرحي المغربي، الذي ما فتئ يقدم للمسرح المغربي، منذ عقود إلى اليوم، نصوصا درامية سمتها الرئيسية، منظورا إليها في شموليتها، بالتنوع على مستوى البنيات الدرامية. تنوع يعكس غنى المخيلة الإبداعية لكاتبها. فمن التراث الشعبي المغربي وأشكاله الفرجوية، وأدواته الموسيقية، والشعر، والفلسفة، والأسطورة، والواقع...صاغ هذا المبدع المسرحي في قوالب درامية عوالمه الدرامية/المسرحية الساحرة. إنها كذلك، بفضل ما يوجد في بنياتها من جودة في السبك وإتقان في الحبكات الدرامية من جهة، وفي موضوعاتها أو تيماتها من التماعات فكرية من جهة أخرى.
لا يشذّ عن ذلك هذا النص الدرامي"فاوست الذي..أسطورة الإنسان الذي باع نفسه أو أسطورة الإنسان الإله"، حيث كان الجمع بين أسطورة يونانية هي أسطورة سيزيف، وحكاية فاوست الألمانية. الشخصيتان متباينتان جدا من حيث السمات الخاصة بكل واحدة منهما. وهنا تكمن المفارقة التي هي أساس الصراع الدرامي. المفارقة موجودة قبل كتابة هذا النص الدرامي/المسرحي. وقد قدم المؤلف نفسُه معطيات في عتبات النص تؤكد هذا، منها قوله:"لا أدعي أنني مؤلف هذا النص، بل مجرد كاتب لحواراته وراسم لشخصياته ومحدد لأحداثه" . وكذلك استعماله لمفهوم "إعادة الإنتاج" لوسم هذا النص الدرامي. لهذا السبب، قال صاحب النص عبد الطيف فردوس:"كل من يدعي أنني مؤلف هذا النص فليثبت ذلك، والبينة على من ادعى" .
وأنا أدعي أن عبد اللطيف فردوس هو مؤلف هذا النص الدرامي. ولأنه طلب البيِّنة على هذا الادعاء، فهذه هي البيِّنة:
1-يقر مؤلف هذا النص الدرامي أنه كاتب لحواراته، راسم لشخصياته، ومحدد لأحداثه. وهذا في حد ذاته إبداع. فما هو الإبداع الدرامي/المسرحي إن لم يكن هو كتابة الحوارات، ورسم الشخصيات، وتحديد الأحداث؟.
2- ليس المبدع المسرحي عبد اللطيف فردوس هو أول من وظف شخصية درامية/مسرحية معروفة في تاريخ المسرح العالمي، بل إن هناك نظائر عديدة لصنيعه هذا. يكفي في هذا الإطار التذكير بالنص المسرحي "الملك أوديب" لتوفيق الحكيم (1898-1987) ، حيث أبدع نصه ذلك اعتمادا على أسطورة أوديب اليونانية، وليس هو الوحيد في اتخاذ هذه الأسطورة قالبا مسرحيا قديما وحديثا؛ وجان كوكتو Jean Cocteau (1889-1963) الذي وظف في مسرحه شخصيات مسرحية معروفة قبله مثل أنتيغون Antigone ، وروميو وجولييت Roméo et Juliette، وأسطورة أوديب ذاتها في مسرحيته "الآلة الجهنمية"(La machine Infernale)؛ وجان بول سارتر J.P.Sartre (1905-1980) الذي وظف شخصية وأريست Oreste في مسرحيته "الذباب". والأمثلة من هذا النوع عديدة جدا. رغم ذلك، لم يجرد النقاد كل هؤلاء المبدعين من صفة مبدع لأنهم بنوا نصوصهم المسرحية انطلاقا من شخصيات معروفة سلفا. وحجتهم في ذلك هي عملية التحيين L’actualisation التي ميزت إبداعاتهم المسرحية. تحيين انعكس فيها على الحوار الدرامي، ورسم الشخصيات، والأحداث الدرامية.
3-التحيين أو التحديث أو إعادة طرح وتقديم الموجود في هذا النص الدرامي/المسرحي. يتجلى هذا في سيطرة الآلة و"الأجهزة الذكية" ومنها G. P. S في عصرنا هذا التي أمسى الإنسان أسيرا لها، لأنها أمست ضرورية في حياته اليومية. إنه أسير لها نظرا لما تقدمه له من خدمات لا نظير لها في القرون الغابرة. الآلة ذاتها شخصية من شخصيات هذا النص حيث يوجد "الصوت الآلي الخارجي".
كل هذا يدل على أننا أمام إبداع درامي/مسرحي، وليس أمام "إعادة إنتاج". إبداع درامي/مسرحي مشوِّق بأحداثه، وبتركيبه الدرامي، وُظفت فيها، أي الأحداث، شخصيات من ثقافات مختلفة، سيتوقف عندها قارئ النص الدرامي، ومُشاهد العرض المسرحي حبن تقديمه على الركح. ولم يكن تقسيم هذا النص إلى جولات، مثل جولات الملاكمة، بدون مغزى. إنه تقسيم مرتبط بالحرب بين الإنسان والآلة في عصرنا اليوم.
هذا النص الدرامي/المسرحي، بتعبير بلاغي، جوهرة من الجواهر التي تزيِّن العِقد الإبداعي لعبد اللطيف فردوس. نص درامي/مسرحي أساسه الفني الجمالي هو التحيين (التحديث) المُواكب للزمان.