شبراوى خاطر يكتب : مصر بين ”الإصلاح والنهضة”


هذه دعوة إلى التركيز في أحوالنا ووضع حلول لمشاكلنا ومواجهة التحديات التي تقابلنا كأمة مصرية لها حضارتها الخالصة وتاريخها الخاص بعيداً عن تشتيت أذهاننا بما يفعله السفهاء من حولنا.
وبعيدا عن أمور السياسة والتي يعتبرها " النجم السينمائي الكوميدي القديم "غروتشو ماركس" بأنها فن البحث عن المشكلة، والعثور عليها، وتشخيصها بشكل خاطئ، ثم تطبيق الحلول الخطأ بشكل خاطئ.
لنقل أننا نحتاج إلى تشكيل خطط إصىلاحية وقفزات نهضوية في مصر، وأن كلا الحركتين يُفترض أنهما متماثلتان من حيث الإسهام والأهداف.
ففي الوقت الذي يرى فيه معظمنا -بكل أسف- أن حكوماتنا مهلهلة، لا تتمتع بالكفاءة والفعالية، وأن مشاكلنا الداخلية والدولية لا يمكن التغلب عليها.
إلا أنني أرى أنه لدينا فرص تدعو إلى التفاؤل حتى في لحظات انقطاع النور وانسدال الظلام. ذلك لأن لهذا الشعب طبيعة منسوجة في جيناته لا تظهر إلا في فترات التحدّي المصيرية. كما أن الأجهزة الحكومية تحاول قدر استطاعتها لبناء المستقبل، والذي قد لا يراه كل من "يعيش اليوم بيومه" والذي دائماً يتساءل بتهكم وسخرية: ماذا يفعل الشعب الفقير بالطرق والكباري والقطارات والمدن الجديدة وما إلى ذلك. ولكن هذه هي طاقة النور التي أراها تشرق من بعيد في اتجاه المستقبل.
إننا نعيش الآن في منتصف نفق يربط ما بين نورين. ماضي زاهي زاهر، ومستقبل نكاد أن نلمسه ونأمل أن يكون ملائماً ومكملاً لهذا الماضي.
وعلى الرغم من أننا نعيش في عصر يتداعى بشكل غير مسبوق، ينتشر فيه الفساد واللامساوة والارهاب واهدار الموارد الثمينة، وتنتشر فيه الأمراض وتقل فيه مستويات الرعاية الصحية، ويتدنى فيه مستويات التعليم، وتضمحل قيمة الثقافة والدين، وتتناقص فيه مستويات الثقة.
مع ذلك. أننا لا ننكر أن هناك حركات إصلاحية تتكون وتنادي بإصلاح عدة مسارات في مصر
وأن أصوات عديدة على المستوى الشعبي بدأت تدرك أهمية وضع خطط "للإصلاح". وتنادي بمكافحة الفساد وتحقيق المساواة، والذي يُعتبر أحد أمراض البلدان الفقيرة. نتيجة لليأس، وعدم الأمانة ونقص الكفاءة الحكومية ونظام التعليم البدائي، والإفتقار إلى القيم المشتركة مع انتشار قيم ثقافية وأخلاقية غريبة وهدّامة.
وأن خطط "الإصلاح" التي تشمل (التقويم والتغيير والتحسين) هي التي تقود إلى "النهضة" التي هي الوثبةُ في سبيل التقدّم الاجتماعي وإِسْتَفاقَة للنظام الاقتصادي وصحوة للحالة الثقافية، وإستيقاظ للوعي الكلي بحضارتنا وتاريخنا وواقعنا وتحدياتنا، بالتخطيط والتدبير والفعل. لأنه لا توجد نهضة بدون إخلاص النية لتمهيد الطريق نحو الإصلاح.
ونحن ومنذ عقود قديمة على مستوى الوعي العام نسمع كلمة "الإصلاح" في كل خطب السياسين ومقاصد شكلية للحكومات ودعوات الأحزاب، ومطالبات لبعص فئات الشعب،
حيث كلً يغني على ليلاه.
ومازلنا نسمع مراراً وتكرارا عن مطالب الإصلاح الاقتصادي والمالي، وإصلاح وتجديد الخطاب الديني، وإصلاح مستوى الإعلام والدراما، إصلاح نظام التعليم بشكل متكرر ومتواصل، ومحاربة الفساد، وإطلاق برامج للثورة الإدارية وإعادة هيكلة النظام الإداري للقطاع العام، وإرساء مبادئ تكافؤ الفرص أمام القطاع الخاص، ومكافحة المحسوبية والكف عن تكليف أهل الثقة على حساب أهل العلم والخبرة،
وليكن معلوماً لمن يهمه الأمر أن الخطأ الأقرب إلى أن يكون خطيئة، أننا نكاد أن نتخذ من "الإصلاح" كوسيلة لتحقيق "النهضة" ليكون هو الغاية. وبذلك نخلط بين الوسيلة والغاية. وبين التكتيكي والاستراتيجي، وبذلك تشتتنا بين الغاية والوسيلة، وضللنا الطريق لفترات طويلة من عمر هذا الوطن.
وفي حين أن كلا من "الإصلاح" و"النهضة" تتطلبا قدراً ميسوراً من الحرية الفكرية والثقافية والسياسية. وليس مجرد التظاهر بالحرية، وهذه هي المشكلة التي تقف عائقاً أمام مبادرات الإصلاح أو تفعيل الفكر النهضوي الذي يسمح ويتغذى على حرية تناقل وتبادل الأفكار. وإعداد كوادر إدارية محترفة. لأن مسار "الإصلاح والنهضة" يتطلب ديموقراطية الأفكار والآراء والحلول في الوقت الذي يتطلب ديكتاتورية التفعيل والتنفيذ بحزم وصرامة.
إن أي إصلاح لابد أن تتبعه نهضة ولكي يتحقق ذلك، يستلزم شجاعة وجسارة لتوفير مساحة مأمونة تسمح بتشكيل طبقة جديدة مختلفة بعيداً عن طبقة النبلاء الاثرياء، او الموظفين أهل الثقة المغتصبين للسلطة أو ترك لجام جموع المؤثرين ذوي الفكر السطحي والضحل من المشاهير ليعبثوا في أفكار وقيم الناس الأخلاقية، وإفساح المجال لطبقة جديدة من اصحاب المواهب والمفكرين والفنانين والعلماء. لكي يقوموا بدورهم في تحقيق النهضة المنشودة. وبدون هؤلاء فلا إصلاح ولا نهضة بل سنستمر في الدوران في دائرة مفرغة وكأننا الكلب الذي تنتابه الدوخة بسعادة من محاولاته المستميتة ليعض ذيله.