السبت 23 أغسطس 2025 06:56 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : بالعلم والعمل تبنى الأوطان

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

في ظل متغيرات العصر السريعة، يعيش الشباب اليوم وسط تحديات متعددة ومعقدة، تبدأ من الأزمات الاقتصادية ولا تنتهي عند صعوبات سوق العمل، وهي تحديات تفرض على الجميع – أفرادًا ومؤسسات – أن يعيدوا النظر في مفاهيمهم التقليدية حول التعليم والمهنة. لم يعد التعليم وحده كافيًا، كما لم تعد المهنة وحدها تكفي، بل إن الجمع بين الاثنين أصبح ضرورة وطنية وأداة فعالة في بناء شخصية الشاب وتمكينه من صناعة مستقبله والمساهمة في نهضة وطنه.

الشباب هم قلب الأمة النابض وسر قوتها وصمام أمانها، لكنهم اليوم يواجهون بطالة مرتفعة، ومنافسة شرسة، وضغوطًا نفسية واجتماعية متزايدة. ولعل من أبرز التحديات التي تقف أمامهم ضعف الوعي المهني في مرحلة التعليم، والنظرة المجتمعية الخاطئة تجاه بعض الحرف والمهن، وغياب التوجيه السليم نحو سوق العمل الحقيقي. كثير من الأسر ما زالت تحصر طموحات أبنائها في الوظائف التقليدية، غير مدركة أن السوق اليوم يحتاج إلى اليد الماهرة والعقل المنتج أكثر من احتياجه للورق المطبوع بالشهادات.

المجتمع لا يُبنى بالعلم وحده، ولا بالصناعة وحدها، بل بتكامل الاثنين. فالعلم يصقل العقل، والمهنة تصقل اليد، والاثنان معًا يصنعان إنسانًا نافعًا متوازنًا قادرًا على الفعل والتغيير. والشباب إذا امتلكوا مهارة في حرفة أو مهنة بجانب تحصيلهم العلمي، فإنهم يصبحون قادرين على الدخول إلى سوق العمل بثقة وكفاءة، ويمتلكون القدرة على إقامة مشاريع صغيرة تساهم في الاقتصاد الوطني وتخلق فرصًا جديدة لغيرهم.

إن الوطن اليوم، في ظل الظروف العالمية والضغوط الداخلية، في أشد الحاجة إلى شباب يعملون لا شباب ينتظرون. شباب يتعلمون ويبدعون، لا يرددون فقط ما حفظوه. شباب يفكرون في كيف يصنعون الفرصة، لا كيف ينتظرونها. والفرصة الحقيقة لن تتحقق إلا إذا استوعب الشباب أن امتلاك مهنة لم يعد بديلًا عن التعليم، بل هو داعم له، وأن من يملك مهارة حقيقية، ولو كانت بسيطة، يملك استقلاله وكرامته ومستقبله.

إن نظرة المجتمع بحاجة إلى إعادة تأهيل، فلا يصح أن يُحتقر من يعمل بيديه أو يُستهان بمن يتعلم مهنة أو حرفة. هذه المهن، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، هي التي تُقيم اقتصاد الدول وتبني بنيان المجتمعات، وهي التي تُخرج من رحمها الصناعي والتقني والحرفي والمهاري.

الشباب في القرى والنجوع كما في المدن الكبرى، إذا تم تمكينهم عبر برامج حقيقية، وتوفير مراكز تدريب مهنية حديثة تواكب التطور التكنولوجي وتربط بين التعليم والاحتياج الواقعي لسوق العمل، سنشهد طفرة إنتاجية وثقافية تعيد رسم خريطة الأمل. إن هناك آلاف الفرص تنتظر من يتقن النجارة الحديثة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وصيانة الهواتف، وتشغيل الآلات الصناعية، والحرف اليدوية الدقيقة، وابتكار الحلول الذكية للمشاكل اليومية.

كما أن الدولة بحاجة إلى تبني رؤية طويلة الأمد، تتجاوز فكرة الحفظ والتلقين في المدارس، وتدمج بين مناهج التعليم النظري والتطبيق العملي منذ المراحل الأولى، ليكبر الطفل وهو يدرك أن الشهادة والمهنة وجهان لعملة واحدة، وأنه من العيب أن يجلس متفرجًا ينتظر الوظيفة، بينما بإمكانه أن يبدع في صناعة مستقبله بيديه.

في الوقت ذاته، فإن المؤسسات الإعلامية والتعليمية والدينية مطالبة بدور كبير في غرس هذا الوعي وتغييره، من خلال حملات توعوية وبرامج تثقيفية ونماذج ناجحة تُعرض للشباب، تُظهر لهم أن صاحب المهنة الماهر لا يقل مكانة عن الطبيب أو المهندس، بل قد يكون أكثر نفعًا وتأثيرًا في مجتمعه.

وفي الختام، نقولها بوضوح: إذا أردنا وطنًا قويًا متماسكًا، فعلينا أن نُعلي من قيمة العمل والمهنة، وأن نُحيي في نفوس الشباب الحلم لا بالوظيفة فقط، بل بالمهارة والإبداع. فلتكن الدعوة مفتوحة لكل شاب وشابة: تعلم مهنة، واصنع لنفسك طريقًا، ولا تترك مصيرك معلقًا بباب مغلق أو فرصة ضائعة. ابحث عن الحلاوة في التعليم والمهنة معًا، ففي اتحادهما تكمن العزة، ومن خلالهما تُبنى الأوطان وتُكتب قصص المجد الحقيقي.

حسين السمنودى بالعلم والعمل تبنى الأوطان الجارديان المصرية