السيناريست عماد النشار يكتب : في مواجهة السرطان: عندما يتحول الألم إلى أمل لا ينطفئ.


في قلب الألم يولد معنى يتجاوز التجربة الشخصية... ليمتد إلى حياةٍ بأكملها.
بين جدران المستشفيات، تتكوّن الحكايات بصمت، وتتشكل أقسى التجارب بعيدًا عن الضوء., هناك، في الأروقة الباردة، ينمو الخوف، وتتشظى الأحلام، لكن في الزوايا التي لا يراها كثيرون، يولد أمل نادر.
ليس ذلك الأمل القادم من جهاز طبيّ أو تشخيص جديد، بل من إنسان قرر أن يكون موجودًا ، لا كمراقب، بل كشريك حقيقي في المعاناة.
هذه ليست قصة مبادرة، بل شهادة على أن المواقف الصغيرة تصنع الفرق الكبير،إنها حكاية من اختاروا أن يواجهوا السرطان ليس فقط بالأدوية، بل بالتعاطف، بالفهم، بالوجود الحقيقي إلى جوار من هم في أمسّ الحاجة إلى من يسمعهم دون أن يُقاطع، ويحتضنهم دون أن يُشفق.
في كل مستشفى جناح هادئ لا يُسمَع فيه الكثير من الكلام، لكنه يمتلئ بأصوات لا تُقال، آهات خافتة، دعوات صامتة، نظرات تحمل أكثر مما تُفصح، هناك على الأسرة البيضاء، يرقد من يخوضون معركة قاسية، اسمها السرطان،
لكنها ليست معركة جسد فقط، بل صراع طويل بين الخوف والرجاء، بين الألم والإصرار، بين سؤال لا يغادر: هل سأنجو؟
في هذه المساحة الرمادية، ظهر شاب لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره، اختار أن يكون النور في هذا الظلام، اسمه الدكتور زياد حسين الأمين، الرئيس التنفيذي، اختار أن يتخصص في طب الأورام، ليس حبًا في شهرة، ولا سعيًا لمنصب، بل لأنه أراد أن يكون الفرق، أراد أن يكون إلى جوار أولئك الذين تتغير حياتهم في لحظة واحدة، بعد تشخيص مفاجئ، أو نتيجة تحاليل لم تكن في الحسبان.
لم يرَ مرضاه كحالات، بل رأى فيهم أشخاصًا، لهم وجوه، وأسماء، وأحلام مؤجلة، وأمهات ينتظرنهم في البيت، وأطفال لا يفهمون معنى كلمة علاج كيماوي، رآهم كقصص لم تُكتَب بعد، واستحق كل واحد منها أن يُروى بتفاصيله لا بأرقامه الطبية، ومعه الدكتورة هديل هلالي النوبي.
ومن هذه الرؤية، ولدت فكرة، تحولت إلى مشروع، ثم إلى بيت حقيقي، واسم هذا البيت: Doc Ontime.
بدايتها كانت بسيطة، سؤال واحد: كيف نقف حقًا إلى جانب مريض السرطان؟ كيف نفهمه؟ كيف نطمئنه؟ كيف نشاركه الطريق بدلًا من أن نكتفي بالتفرّج عليه من بعيد؟
الإجابة لم تكن بكلمات، بل بأفعال.
جاءت مها العزبي، وإيمان الليثي، محاربتان خضن الرحلة بكل ما فيها، عرفن الخوف، والألم، والوحدة، وعرفن كذلك القوة التي تولد في منتصف الانهيار.
بعد أن تعافين، لم يخترن الابتعاد، بل عدن إلى قلب الميدان، وأمسكن بأيدي من بدأوا لتوهم نفس الرحلة التي بدأنها يومًا ما.
عدن ليقلن: نحن كنا هنا، ونحن هنا الآن، لن نترك أحدًا يعبر وحده.
أصبح هذا المشروع أكثر من منصة، أصبح بيتًا دافئًا، عائلة كبيرة، لكل من يمر بهذه التجربة، سواء كان مريضًا، أو متعافيًا، أو مرافقًا، أو حتى شخصًا يخشى أن يكون في بداية الطريق.
الكلمات وحدها لا تكفي أحيانًا، لكن في أول فيديو نُشر، كانت الكلمات كافية، لأنها خرجت من القلب، قصص حقيقية، أصوات حقيقية، وجوه تعبّر عن مئات بل آلاف الحالات، وكانت النتيجة أن شاهده أكثر من أربعة ملايين شخص.
لم يكن السبب دعاية، ولا تقنيات عالية، بل صدق، وعندما يكون الصدق موجودًا، فهو لا يحتاج إلى ما يزينه.
هذا الصدق هو ما جعل الناس تصدق، هو ما جعلهم يرون أنفسهم في القصص، أو يرون من يحبونهم.
فجأة أصبحت الحكاية قريبة جدًا، فجأة أدرك الجميع أن السرطان ليس بعيدًا، وأن هناك من يعيش هذه التفاصيل الآن، يخاف، يتألم، ويحتاج إلى من يخبره أن هذا الطريق قد يكون صعبًا لكنه ليس مستحيلًا.
ثم يأتي دور كتيبة فريق العمل المتميز: بيشوي نان، مارك زهجار، أبانوب شهير، بيشوي إيليا.
ليصبح الأمر ليس مجرد دعم نفسي، بل تعليم حقيقي، ورش عمل أُقيمت لتعليم المرافقين: كيف يعتنون بالمرضى، كيف يتعاملون مع أدوات طبية مثل القسطرة، كيف يلاحظون الأعراض الجانبية للعلاج، كيف يكونون سندًا لا عبئًا، كيف يستمعون دون أن يحكموا، كيف يمنحون الطمأنينة دون أن يزيّفوا الحقيقة.
كان الهدف أن لا يكون المريض وحده، لا في المستشفى، ولا في البيت، ولا في الليل حين يهاجمه الخوف بصمت.
حتى جلسات التأهيل النفسي أصبحت جزءًا من المشروع، كسروا حاجز الرهبة من أجهزة الأشعة، شرحوا للمرضى ما ينتظرهم، هيأوا أرواحهم قبل أجسادهم، أخبروهم أن ما يشعرون به طبيعي، وأنهم قادرون على تجاوزه.
اليوم أصبح Doc Ontime فريقًا متكاملاً، يتحرك، يعلم، يدعم، ويحلم، يحلم بأن يتحول هذا الجهد إلى مؤسسة معترف بها، كيان رسمي، قادر على التوسع، داعم للمستشفيات، منظم لمؤتمرات علمية وإنسانية في آن واحد.
يحلم الفريق بمؤتمر سنوي، يجمع الأطباء والمختصين والمتعافين، يعرضون فيه كل جديد، يتحدثون عن العلم، لكن أيضًا عن القوة، عن الصبر، عن الأمل.
لكن أجمل ما في الحلم أنهم لا ينسون من تعافى.
ففي كل مرة يقول أحدهم: لا أستطيع العودة إلى المستشفى، ريحتها تذكرني بكل شيء، السرير يعيد لي لحظات لم أرد تذكرها.
يقول له الفريق: نحن نفهمك، لكن هناك من ينتظر كلمة منك، ربما تكون سببًا في شجاعته.
كلمة واحدة قد تكون أقوى من ألف وصفة طبية.
لذلك رسالة Doc Ontime لكل من تعافى: لا تنس من يمر اليوم بما مررت به، كن له الضوء الذي كنت تبحث عنه في الظلام.
في عالم يتغير كل يوم، في وقت باتت فيه القلوب مثقلة، وفي زمن تزداد فيه الأوجاع، تظهر هذه المبادرة كدليل على أن الأمل ما زال ممكنًا، أن الإنسان حين يؤمن برسالته، يمكنه أن يصنع فرقًا، حتى في أكثر اللحظات ألمًا.
الدكتور زياد حسين الأمين لم يكن مجرد طبيب، كان إنسانًا اختار أن يكون بجانب من لا يملك إلا الرجاء ،وكذلك كانت الدكتورة هديل هلالي النوبي،
طبيبة آمنت أن الإنسانية لا تقل عن التخصص،
فكانت حضورًا صادقًا في كل لحظة ضعف،
وسندًا لمن احتاج أن يُرى كإنسان قبل أن يُعالَج كمريض.
مها، إيمان، لم يكن تعافيهن نهاية القصة، بل كان بدايتها، عدن ليجعلن من الألم معنى، ومن الشفاء رسالة.
وأنت، ربما لا تملك المعرفة الطبية، لكن تملك الرحمة، كلمة طيبة، زيارة قصيرة، دعاء صادق، قد تكون تلك اللمسة التي تمسح دمعة، وتعيد لمريض إحساسه بأن الحياة ما زالت جميلة.
Doc Ontime ليست مجرد مبادرة، إنه بداية جديدة، إنه بيت للأمل في زمن يخنقه الخوف.
فشكرًا لكل من آمن بهذه الرسالة، وساهم فيها، وسار مع أصحابها. شكرًا لكل طبيب يحمل في قلبه إنسانية، ولكل متعافٍ لم ينسَ رفاق الدرب، ولكل قلب نبض مع كل كلمة أمل.
أنتم الحياة حين تعيد تعريف نفسها في وجه الألم.