الإثنين 28 يوليو 2025 04:53 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاتة زكريا يكتب : أمريكا تبيع.. والعرب يشترون وهما

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

عن تحوّل واشنطن من شرطي إلى شركة.. وخسائر العرب من الوهم السياسي

منذ أن لفظت الحرب الباردة أنفاسها ، لم تعد الولايات المتحدة شرطي العالم كما كانت تُحب أن تُصنَّف. التحوّلات في بنية الدولة العميقة وفي دوائر الضغط والتمويل وفي الأولويات الاستراتيجية دفعت بواشنطن إلى خلع زيّ الحارس الدولي وارتداء بدلة التاجر البارع الذي لا يرى في العالم سوى أسواق وفرص وخصومات. لم يعد هناك شعار أمريكي يُرَدَّد أكثر من: "أعطني.. أدعمك".

قالها ترامب بوقاحة صارخة ولكنها الصراحة الوحيدة التي لا تزال تصدح في زحام الخداع السياسي: تحولت أمريكا من شرطي إلى شركة.. والشركات لا تحارب من أجل أحد بل تبيع لمن يدفع. ومن يدفع أكثر؟ الجواب حاضر على الطاولة: الدول العربية.

نشتري السلاح بأضعاف ثمنه ونشتري الأمن الذي يُفترض أن نحرسه بأيدينا ونشتري دعما سياسيا لا يدوم أكثر من موجة انتخابات ثم نُرمى في الزاوية. نشتري وهما لأننا لا نزال نعتقد أن واشنطن تنظر إلينا كحلفاء بينما لا ترانا سوى حسابات بنكية قابلة للسحب.

منذ عقود كانت مقايضة الدعم الأمريكي واضحة: النفط مقابل الحماية. ثم تحوّلت إلى: الصمت مقابل الاستمرار. واليوم أصبحت: التنازلات مقابل البقاء. والمشكلة لا تكمن في أمريكا بل في الذين صدّقوا أنها تُحارب لأجلهم وتدافع عن مصالحهم وتتبنى قضاياهم بينما الحقيقة أنها تحرق القضايا لتدفئ جيوبها.

لكن في القلب من هذا المشهد البائس تبرز القاهرة بوجه مختلف. فمصر رغم الضغوط والعروض والمقايضات لا تشتري الأمن من الخارج ولا تبيع القرار الوطني في المزادات الدولية. في الوقت الذي تتسابق فيه العواصم للانبطاح أمام بايدن أو نتنياهو أو أي مندوب دولي تقف القاهرة على حافة التوازن.. تدير الملفات بشجاعة وتُناور بأدواتها وتُعيد بناء جسور الحضور العربي من تحت الرماد.

العبرة ليست في مَن يملك المال بل في مَن يملك البوصلة. وفي زمن الشركات السياسية الكبرى لا ينجو إلا من يكتب سطره بيده ولا يستورد بقاءه من مصانع الآخر.

أمريكا تبيع والعرب يشترون.. لكنّ القاهرة تصنع. وهنا يكمن الفارق.

شحاتة زكريا أمريكا تبيع.. والعرب يشترون وهما الجارديان المصرية