سماح السيد تكتب : (كشف المستور)


من أجمل نعم الله على الإنسان أن منحه نعمة الستر، الستر في كل ما هو قبيح، ستر الذنوب، وستر العيوب، وستر الخفايا التي لو انكشفت لفرّ الناس من بعضهم البعض. ولكن ما نراه الآن على الساحة، وما يخرج علينا كل يوم من فضائح، يكشف لنا أن كثيرين لم يكتفوا بخلع ثياب الحياء، بل صاروا يتفاخرون بعريهم الأخلاقي والإنساني.
في زمن أصبحت فيه الخصوصية سلعة، والفضيحة محتوى، لم يعد أحد يخجل من شيء. من نجمات يفضحن أنفسهن بأدق تفاصيل حياتهن، إلى مؤثرين ومؤثرات يتسابقون على من يفضح أسراره أولًا، ومن يسبّ أقاربه وأصدقاءه على الهواء مباشرة!
ما نراه من قضايا أسرية تُنشر على العلن، واتهامات أخلاقية تُعرض كأنها تمثل المجتمع وماوصل اليه من انحدار وهذا لا يدل فقط على انحدار الذوق، بل على ماوصل اليه المجتمع بمختلف طبقاته من تدني اخلاقي وكأن كشف المستور أصبح موضة، وكأن كل مستور أصبح محتوي ومادة للتريند.
من قضايا خيانة، إلى فضائح وجرائم تمس المجتمع إلى سب وقذف يُمارَس تحت غطاء حرية الرأي… أصبح كل شيء مباحاً طالما هناك مشاهدات وتفاعل، انهارت القيم أمام التريند والربح .
وللأسف، أصبح الجمهور شريكًا في الجريمة، لا يُنكر ولا يرفض، بل يتابع بشغف، ويُعلّق، وينتظر عن شغف الفضائح ويستمتع بمشاهدتها
أين ذهبت التربية؟ أين ذهب الستر الذي أوصانا به نبينا: "من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة"؟ كيف أصبحنا نكشف أنفسنا ونتفاخر، ونفضح غيرنا ونضحك؟
كشف المستور لم يعد فضيحة فرد، بل صار فضيحة مجتمع بأكمله، غابت عنه المروءة، وأعمته الشهرة، وارباح السوشيال ميديا حتى لم يعد يرى قبح ما يُنشر.
أصبحنا نتباهى بالفضائح ونتابعها بشغف، وكأنها إنجازات أو بطولات، وللأسف، كثرت الفضائح حتى أصبحت أمرًا طبيعيًا لا يثير استغرابًا ولا استنكارًا. لا حياء ولا استحياء، وكأن القبح أصبح وجهًا من وجوه الحياة اليومية.
كل يوم نطالع أحداثًا مؤسفة تُتناول على لسان أفراد من قاع المجتمع، تخرج إلينا بألفاظ منحطة، وسلوكيات لا تمت لأي مروءة أو أخلاق بصلة، بل ويجدون من يصفق لهم ويمنحهم المنصات!
انظر إلى ما حدث مؤخرًا من مشاجرات وتبادل للاتهامات على الهواء بين مايقال عليهم مشاهير التيك توك، من فضائح وسب ومشاجرات وكأنهم هم من يمثلون المجتمع بلا خجل…
انظر إلى من يدّعون أنهم "مؤثرون" وهم لا يملكون سوى التأثير السلبي، يُلقون الاتهامات جزافًا، يفضحون أنفسهم ويُحرّضون الناس على بعضهم،
بل إن بعضهم صار يبحث عن فضيحة جديدة يختلق الحوادث ليحافظ على بريق زائف اسمه "الترند"، حتى لو كان المقابل التنازل عن كرامته وأخلاقه
أي انحدار هذا الذي جعل بعض المنصات الإعلامية تستضيف تلك النماذج لتمنحهم شرعية الظهور، بينما تُقصى الشخصيات الناجحه، ويُهمّش أصحاب القيم؟
إن ما نراه اليوم ليس مجرد كشف مستور، بل تشويه متعمّد لمفهوم الإنسانية…
تغيّرت الأولويات، وأصبحنا نقيس قيمة الإنسان بعدد المتابعين، لا بمواقفه أو خلقه.
فمن يُعيد للمجتمع وعيه؟وهل غلق هذه المنصات سيعيد للمجتمع اخلاقه وقيمه؟
الجواب واحد: عودة الوعي، وتفعيل الرقابة، وتجريم نشر الفضيحة بدلاً من مكافأتها.
فما يُبنى على الفضائح لا يصنع قيمة… بل يصنع مجتمعًا فارغ اخلاقيآ سهل استعباده بالماديات سهل احتلاله والسيطرة عليه.