الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى يكتب : التبجح الإسرائيلي يضرب قطر


• جريمة في قلب الدوحة
في تصعيد خطير يُمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والسيادة الوطنية، شنت إسرائيل هجوماً جويًا على العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفةً قيادات من حركة حماس. جاء هذا الهجوم رغم الدور الدبلوماسي الذي تلعبه قطر كوسيط أساسي في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. هذه الحادثة لا تعكس فقط استهتاراً إسرائيلياً بالمبادئ الدولية، بل تكشف عن نوايا تهدف إلى تقويض استقرار المنطقة بأكملها.
هذا العمل العسكري المباشر على أراضي دولة مستقلة ومحايدة يمثل نقطة تحول خطيرة في النزاع الإقليمي، ويتطلب رداً عربياً ودولياً حاسماً لحماية مبادئ السيادة والدبلوماسية.
• وقائع الهجوم الإسرائيلي على الدوحة
- الاستهداف المباشر: وفقاً للبيانات الإسرائيلية، قام سلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ ضربة دقيقة استهدفت قيادات حماس في الدوحة، حيث كان من بين المستهدفين خليل الحية رئيس المكتب السياسي لحماس وزاهر جبارين .
- التبجح بالإعلان: لم تكتفِ إسرائيل بالتنفيذ، بل أعلنت عن العملية علناً عبر متحدثها العسكري، معتبرة أن القادة المستهدفين "يقودون أنشطة حماس لسنوات ويتحملون المسؤولية المباشرة عن مجزرة 7 أكتوبر" .
• الادعاءات الإسرائيلية: زعمت إسرائيل أن الهجوم سبقه "اتخاذ خطوات لتجنب إصابة المدنيين" بما في ذلك استخدام ذخائر دقيقة ومعلومات استخبارية إضافية ، إلا أن هذه الادعاءات لا تُخفي حقيقة انتهاك سيادة دولة مستقلة.
• الدوافع الإسرائيلية من العملية
1 - تقويض الوساطة القطرية وتشويه سمعتها
كشفت تقارير أن إسرائيل كانت تخطط مسبقاً لتشويه صورة قطر عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. حيث أعدت وزارة الخارجية الإسرائيلية خطة لهذا الغرض حظيت بموافقة الوزير إيلي كوهين، لكن رئيس الموساد أوقفها خشية الإضرار بوساطة الإفراج عن الأسرى . يظهر هذا أن الهجوم الأخير هو استمرار لهذه السياسة الهادفة إلى تقويض الدور القطري.
2- البحث عن "صورة نصر" وتعويض الفشل في غزة
تشير الاوضاع إلى أن إسرائيل تسعى لتعويض فشلها في غزة عبر خلق "صورة نصر" في أماكن أخرى. كما حدث في عملية جنين التي شنتها إسرائيل في الضفة الغربية، والتي رأى مراقبون أنها تهدف لتحقيق إنجاز إعلامي موازٍ لفشلها في غزة . الهجوم على الدوحة قد يكون محاولة مماثلة لتحقيق "انتصار" إعلامي وسياسي.
3- استهداف عملية الوساطة والتفاوض
جاء الهجوم في توقيت حساس من جهود الوساطة التي تقودها قطر للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس . بل أفادت تقارير أن الهجوم استهدف الوفد المفاوض لحماس في الدوحة خلال اجتماع لمناقشة المقترح الأمريكي . مما يشير إلى نية إسرائيلية لإفشال المسار التفاوضي.
4- تصعيد سياسي لتلبية أجندة داخلية
يُعتقد أن الهجوم يخدم أجندة داخلية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواقع ضغوطاً سياسية كبيرة من اليمين المتطرف في حكومته، وكذلك من عائلات الأسرى والمعارضة التي تتهمه بتمديد الحرب لتحقيق مصالح سياسية على حساب حياة الأسرى . التصعيد العسكري الخارجي قد يكون محاولة لتحويل الانتباه عن هذه الضغوط.
• الموقف القطري
استنكرت قطر الهجوم بأشد العبارات، ووصفته في بيان رسمي بأنه "اعتداء إجرامي يشكل انتهاكًا صارخًا لكافة القوانين والأعراف الدولية، وتهديدًا خطيرًا لأمن وسلامة القطريين والمقيمين في قطر" . كما أكدت أن التحقيقات جارية على أعلى مستوى، وأنها لن تتهاون مع هذا السلوك الإسرائيلي المتهور .
• ردود الفعل العربية والدولية
- تأييد عربي للدوحة: عبرت دول عربية عن تضامنها مع قطر واستنكارها للانتهاك الإسرائيلي، معتبرة أنه يمثل خطراً على أمن المنطقة بأكملها.
- قلق دولي: أعرب المجتمع الدولي عن قلقه العميق من التصعيد الإسرائيلي، محذراً من تداعياته على استقرار المنطقة وجهود السلام.
• تداعيات الهجوم على الجهود الدبلوماسية
1- تهديد مسار الوساطة .. يُعتبر الهجوم ضربة خطيرة لجهود الوساطة التي تقودها قطر، والتي تمكنت من تحقيق أكثر من اتفاق لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس . هذا التصعيد قد يفقد قطر جزءاً من قدرتها على لعب دور الوسيط النزيه، خاصة في ظل اتهامات إسرائيلية متكررة لها بعدم الضغط الكافي على حماس .
2- تعطيل اتفاق وقف إطلاق النار
جاء الهجوم في مرحلة حساسة من مفاوضات وقف إطلاق النار، حيث كانت قطر تواصل جهودها للتوصل إلى تقدم في هذه المفاوضات . هذا التصعيد قد يعطل بشكل كامل هذه الجهود ويؤدي إلى استئناف الحرب بشكل أوسع.
3-لا تغيير موازين القوى الإقليمية
قد يؤدي الهجوم إلى إعادة تعريف التحالفات الإقليمية، حيث قد تدفع هذه الحادثة الدول العربية إلى مراجعة سياساتها تجاه إسرائيل، والتعاطف بشكل أكبر مع الدور القطري، مما يعزز من مكانة قطر الإقليمية كدولة وسيطة وداعمة للقضية الفلسطينية.
• المخاطر والتداعيات الإقليمية
تغيير قواعد الاشتباك
يُمثل الهجوم سابقة خطيرة في انتهاك سيادة الدول، حيث لم يعد الصراع محصوراً في الأراضي الفلسطينية أو في مواجهة مباشرة مع حماس، بل امتد إلى دول مجاورة ومحايدة. هذا قد يفتح الباب أمام تصعيد إقليمي أوسع قد تشتبك فيه قوى إقليمية أخرى.
تهديد الاستقرار الإقليمي
يُشكل الهجوم تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، حيث إن انتهاك سيادة دولة مثل قطر - التي تلعب أدواراً وساطية متعددة في المنطقة - قد يؤدي إلى تفجير الوضع الإقليمي ودفع المنطقة نحو مواجهة شاملة لا تحمد عقباها.
تداعيات على القضية الفلسطينية
قد يعزز الهجوم من التضامن العربي مع القضية الفلسطينية، حيث إن انتهاك سيادة دولة عربية من أجل استهداف قيادات فلسطينية قد يوحّد المشاعر العربية ضد إسرائيل، ويدفع نحو مواقف عربية أكثر صلابة تجاه القضية الفلسطينية.
• نحو موقف عربي موحد
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة ليس مجرد عملية عسكرية محدودة، بل هو انتقال خطير في السياسة الإسرائيلية التي لم تعد تتورع عن انتهاك سيادة الدول العربية تحت ذرائع مختلفة. هذا التصعيد يتطلب رداً عربياً موحداً وحاسماً، لا يقف عند حدود الاستنكار والشجب، بل يتعداه إلى إجراءات عملية تضمن عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.
• الموقف العربى إلى أين ؟ فلابد من :
1- اتخاذ إجراءات دبلوماسية جماعية: على المستوى العربي والدولي، لمحاسبة إسرائيل على انتهاكها للقانون الدولي.
2- مراجعة العلاقات مع إسرائيل: على الدول العربية مراجعة علاقاتها مع إسرائيل في ضوء هذا التصعيد الخطير.
3-توحيد الموقف العربي: ضرورة توحيد الموقف العربي تجاه إسرائيل ووضع استراتيجية موحدة للرد على مثل هذه الانتهاكات.
فالرد الإسرائيلي على الوساطة القطرية بالهجوم بدلاً من الشكر يمثل نكوصاً عن الأخلاق والسياسة معاً، ويتطلب وقفة عربية جادة حتى لا تتحول المنطقة إلى ساحة مفتوحة للتصعيد الإسرائيلي الذي لا يراعي أي معايير أو قوانين.